98
الفِـردَوس

رؤيا 21،22

أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

تأملنا في درسنا السابق، في جهنَّم، المكان الذي لا يتوقَّف فيه العقاب أبداً. فجهنَّم هي مكانٌ رهيب، خُلِق للشيطان وملائكته. إنه المكان الذي لابد وأن يذهب إليه كل من أهمل طريق الخلاص الذي أسَّسه الله، ليظل مفصولاً عن الله إلى الأبد. هذا هو ما تؤكده كلمة الله عندما تقول:
‘‘وكل من لم يُوجَد اسمه مكتوباً في سفر الحياة، طُرِح في بحيرة النار!’’ (رؤيا 15:20)

من المؤكد أن جهنَّم هي أفظع موضوع يمكن أن يتأمَّل فيه الإنسان. إلا أننا اليوم، سنتأمل معاً في أجمل المواضيع التي تحب أن تتأمل فيها الروح الإنسانيَّة، ألا وهو موضوع ‘‘السماء’’ أو ما يُدعَى ..‘‘الفردوس’’.

إن الناس لديهم أفكارٌ وتصوراتٌ مختلفةٌ جداً عن الفردوس، وعن ما يجب على الإنسان أن يفعله كي يدخله. فعلى سبيل المثال،
.. يؤمن أولئك الذين ينتمون إلى الديانات الشرقية أنه لا يوجد سماءٌ واحدة، بل هناك العديد من السموات أو الفراديس، ذات الدرجات المختلفة من المتعة. أما إلى أي واحدةٍ منها سيذهب الإنسان، فهذا يعتمد تماماً على أعماله.
.. بينما يعتقد البعض الآخر أن الإنسان لابد أن يذهب أولاً إلى جهنم، وبعد أن يكون قد دفع دين خطاياه، يتم نقله إلى الفردوس.
.. ومازال هناك البعض الثالث الذين يؤمنون أن الفردوس هو مكان حفظه الله لمن هم أمناء في أداء واجباتهم الدينية، وأنه مكان تأكل فيه الناس وتشرب وتُشبِع لذَّاتها.
فالإنسان لديه حتماً أفكار كثيرة عن الفردوس، وعن كيفية الوصول إليه. إلا أن كل ما يهمُّنا اليوم، ليس ما يعتقد به الناس عن الفردوس، بل ما يقوله الله عنه في كلمته المقدسة!

والفردوس له أسماء عديدة في كتب الأنبياء. فهو يًسَمَّى "السماء"، و"عرش الله"، و"محضر الله"، و"بيت الله"، و"مسكن الله القدوس"، و"المدينة المقدسة"، و"مدينة الله الحي"، و"أورشليم السمائية"، و"بيت الملائكة المقدسين والحمل"، و"محضر الرب يسوع ومجده العظيم"، و"بيت شعب الله"، المكتوبة أسماءهم في السماء.
أما الرب يسوع، فدعى الفردوس ‘‘بيت ابي’’؛ لأن هذا هو المكان الذي كان فيه قبل أن يُولَد على الأرض.

والفردوس، باختصار، هو مسكن الله. فالله، كما رأينا، موجودٌ في كل مكان. ولكن مع ذلك، هناك مكان معيَّن أبعد من كل النجوم، مكانٌ مقدسٌ ومنيرٌ وجميلٌ، حيث يسكن الله في كل مجده. هذا المكان هو المكان الذي يجلس فيه ابن الله العليّ، يسوع، على العرش، عن يمين الله القدير، منتظراً حتى يعود إلى العالم ليدينه ويجدِّده.
والفردوس، أيضاً، هو المكان الذي يحيط بالعرش فيه آلاف الآلاف من الملائكة، مع جموعٍ غفيرةٍ من الناس الذين فداهم الله واشتراهم لنفسه بدم الحمل، الرب يسوع المسيح.

وفي نهاية كتاب الإنجيل، وفي الأصحاحين الأخيرين من سفر الرؤيا، أعطى الله الرسول يوحنا رؤيا، ليريه فيها مدينة الفردوس المقدسة، التي صنعها الرب لأولئك المكتوبة أسماءهم في سفر الحياة الأبدية. اسمعوا معي ما يقوله الكتاب عن مدينة الفردوس. يقول الكتاب:
‘‘وذهب بي بالروح إلى جبلٍ عظيمٍ عالٍ، وأراني المدينة المقدسة .. وهي لها مجد الله، ولمعانها شبهُ أكرمِ حجر، كحجر يَشْبٍ بلوريٍّ. وكان لها سورٌ عظيمٌ وعالٍ، وكان لها اثنا عشر باباً، وعلى الأبواب اثنا عشر ملاكاً ..
‘‘والمدينة كانت موضوعةً مربَّعةً، طولها بقدر عرضها .. وأساسات سور المدينة مزيَّنة بكل حجرٍ كريمٍ .. والاثنا عشر باباً اثنتا عشرة لؤلؤةً، كل واحدٍ من الأبواب كان من لؤلؤةٍ واحدة. وسوق المدينة ذهبٌ نقيٌّ كزجاجٍ شفَّاف. ولم أرَ فيها هيكلاً؛ لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف (أي الرب يسوع) هيكلها. والمدينة لا تحتاج إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها؛ لأن مجدَ الله قد أنارها، والخروفُ سراجها. وتمشي شعوب المخلَّصين بنورها .. وأبوابها لن تُغلَق نهاراً؛ لأن ليلاً لا يكون هناك. .. ولن يدخلها شيءٌ دنسٌ، ولا ما يصنع رِجساً أو كذباً، إلا المكتوبين في سفر حياة الخروف.’’ (رؤيا 10:21-27)

‘‘ثم أراني الملاك نهراً صافياً من ماء حياة، لامعاً كبلورٍ، خارجاً من عرش الله والخروف. في وسط سوقها، وعلى النهر من هنا ومن هناك، شجرةُ حياة تصنع اثنتي عشرة ثمرة، وتعطي كل شهر ثمارها .. ولا تكون لعنةٌ ما في ما بعد (ولا موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع .. رؤيا 4:21). وعرش الله والخروف يكون فيها، وعبيده يخدمونه. وهم سينظرون وجهه، واسمه على جباهِهم. ولا يكون ليلٌ هناك، ولا يحتاجون إلى سراجٍ أو نور شمسٍ؛ لأن الرب الإله ينير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الآبدين.’’ (رؤيا 1:22-5)

وهكذا أرى الله يوحنا المدينة المقدسة، التي أعدَّها لأولئك الذين يختارون طريق الخلاص.
وفي الوقت المتبقِّي لدينا اليوم، دعونا نفكر فيما يقوله الله في كلمته، فيما يخص الطريق الذي يؤدي إلى الفردوس. كيف يمكننا أن نتأكَّد أننا ذاهبون إلى الفردوس، لا جهنم؟

هل تتذكَّرون ما قاله المسيح يسوع لتلاميذه عن بيت الله، والطريق الذي يؤدِّي إلى هناك؟ لقد قال لهم:
‘‘لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله، فآمنوا بي أيضاً. في بيت أبي منازلٌ كثيرةٌ؛ وإلا فكنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعدَّ لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً، آتي أيضاً وآخذكم إليَّ؛ حتَّى حيث أكون أنا، تكونون أنتم أيضاً. وتعلمون الطريق إلى حيث أذهب. .. أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الله الآب إلا بي.’’ (يوحنا 1:14-6)

هذا هو ما قاله الرب يسوع المسيح، المسيَّا. فهو نفسه ‘‘الطريق’’. فكل من لا يأتي عن طريق ابن العليّ، الذي هو الفادي القدوس، لن يدخل أبداً محضر الله القدوس! .. أبداً أبداً! هذا هو ما تؤكده كلمة الله، عندما تقول:
‘‘ليس بأحدٍ غيره الخلاص؛ لأن ليس اسمٌ آخرُ تحت السماء، قد أُعطِيَ بين الناس، به ينبغي أن نَخلُص.’’ (أعمال 12:4)
‘‘لأنه يوجَد إلهٌ واحدٌ ووسيطٌ واحدٌ بين الله والناس، هو الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فديةً لأجل الجميع ..’’ (1تيموثاوس 5 :2، 6)

إن الوسيط، يسوع المسيح، الذي أتى من عند الله، هو طريق الخلاص الذي يقود إلى الفردوس. فلِكي يأتي يسوع بالخطاة إلى الله، وُلِد في العالم، وعاش حياةً كاملةً ومقدسة على الأرض، وسفك دمه كالذبيحة الكاملة للتكفير عن الخطية، ثم قام من الأموات في اليوم الثالث. فلا أحد يستطيع أن يأتي إلى الله إلا عن طريقه.
فهل تؤمن بهذا، صديقي المستمع؟ هل ترى أن يسوع المسيَّا هو الطريق الوحيد الذي يوصِّل الخطاة إلى محضر الله؟ ربما يمكننا أن نوضِّح هذا بقصةٍ صغيرة.

كان هناك رجلٌ يعيش في قريةٍ صغيرة، بعيدة جداً في قلب الأدغال. وكان ينتمي إلى قبيلة لا يرتدي أفرادها أي ملابس. فقد كانوا لا يلبسون إلا حزاماً حول خصرهم. وكان لهذا الرجل قطعةٌ من الأرض، يزرعها ويعيش منها. ولكن رجلاً أقوى منه أتى واستولى على أرضه هذه. فبات الرجل بلا أي أرض ليزرعها. ولم يكن هناك من يساعده في استرداد أرضه؛ لأنه لم يكن عنده من المال ما يدفعه لقاء ذلك.

وفي يومٍ، جاءته فكرة: لماذا لا يذهب إلى العاصمة، ويقابل الحاكم الذي يحكم الأرض كلها، ويسأله أن يساعده، فقد سمع أن الحاكم رجل عادلٌ ورحيم! فقام، وسار .. وسار .. وسار، حتى وصل إلى المدينة الكبيرة، وإلى قصر الحاكم. فنظر إلى القصر وقال: آه، يا له من قصر كبير وجميل! ولكن، عندما وصل إلى بوابة القصر، وحاول الدخول بكل قذارته وعُريِه، قال له الحارس: ‘‘يا رجل! ماذا تحاول أن تفعل؟!’’
فرد عليه الرجل وقال: ‘‘أريد أن أرى الحاكم.’’
فقال الحارس له: ‘‘هه، أتظن أن أي إنسان يمكنه أن يدخل هنا هكذا وحسب؟ أنظر لنفسك! أتعلم أنه لا يمكنك أن تدخل هنا عرياناً وقذراً هكذا؟ ابعد من هنا يا رجل، وإلا سأطرحك في السجن!’’ وهكذا، استدار المسكين، ورجع في طريقه، وذهب بعيداً!

.. ولكنه لم ييأس!
فراح يستجدي من الناس من الصباح إلى المساء. ثم ذهب وابتاع بعض الملابس الرخيصة، واغتسل، وارتدى تلك الملابس، ورجع إلى قصر الحاكم.
وعندما وصل إلى بوابة القصر، استوقفه الحارس وقال له: ‘‘صحيح أنك ترتدي ملابس، ولكن هذه الملابس ليست مناسبة بما يكفي كي أسمح لك بالدخول والمثول أمام حاكم الأرض. وحتي إن كنت ترتدي الملابس المناسبة، فلازلت لا يمكنك أن تدخل؛ لأنك لابد وأن يكون لديك تصريحٌ خاصٌ لتدخل قصر الحاكم. ليس لك الحق أن تدخل يا رجل! والآن، اذهب من هنا!’’

وهنا، يَئِس الرجل، وقال: ‘‘ما النفع؟ فبعد كل هذه المشقة التي اجتزتها، لا زلت لا أستطيع الوصول إلى حاكم الأرض!’’ فخاب أمله، وراح وجلس على قارعة الطريق، وهو في يأسٍ شديد.
إلا أنه بينما كان كل هذا يحدث، كان حاكم الأرض يتابع بنظره الرجل المسكين من بعيد، وكان الابن الأكبر للحاكم ينظر أيضاً مع أبيه. فقال الحاكم لابنه: ‘‘اذهب تفحَّص الأمر، واعرف ماذا يريد هذا الرجل!’’
وعندما جاء ابن الحاكم إلى الرجل، جلس القرفصاء بجانبه على الأرض، وقال له: ‘‘يا سيدي، هل يمكنني أن أقدم لك أي مساعدة؟ ما الذي جاء بك إلى هنا، ولماذا أنت متضايق إلى هذا الحد؟’’ فقال له الرجل: ‘‘أريد أن أرى حاكم الأرض، ولكن يبدو أن هذا من المستحيل. راحت كل مجهوداتي أدراج الرياح!’’ فقال له ابن الحاكم: ‘‘أنا ابن حاكم الأرض، وقد أرسلني أبي هنا لأعينك. اتبعني!’’
وهكذا، اصطحبه إلى بوابة القصر. وعندما وصلا إلى الحارس الذي كان قد منع الرجل المسكين قبلاً من الدخول، حيَّاهما الحارس باحترامٍ عظيم، بينما هما يعبران البوابة ويدخلان إلى ساحة القصر. واعطى الابنُ الرجلَ المسكين رداءً جميلاً ليرتديه، ثم راحا معاً يدخلان إلى داخل قصر الحاكم. وهكذا، استطاع الرجل أن يدخل قصر الحاكم العظيم، ويرى حاكم الأرض كلها؛ وذلك بسبب نفوذ ابن الحاكم ومساعدته له.

أصدقائي،
هذا هو الحال مع أولئك الذين يريدون أن يدخلوا الفردوس، قصر ملك الملوك. إن الله، حاكم كل الكون، وهو عالٍ وقدوس. ولا يمكننا أن ندخل إلى محضره المجيد بأي طريقةٍ وحسب! ومجهوداتنا الذاتية لا يمكنها أبداً أن تعطينا حق الدخول إلى محضره. فنحن جميعاً مثل ذلك الرجل المسكين، الذي حاول أن يدخل إلى محضر الحاكم بمجهوداته الذاتية الواهية، وفشل!
يقول الكتاب:
‘‘قد صرنا كلنا كنَجِسٍ، وكثوبٍ قذرٍ أضحت كل أعمال برِّنا!’’ (إشعياء 6:64)
فالفردوس هو مكانٌ مقدس، ‘‘ولن يدخله شيءٌ دنسٌ، ولا ما يصنع رِجساً أو كذباً، إلا المكتوبين في سفر حياة الخروف.’’ (رؤيا 10:21-27)
ولا يستطيع أي شخص أن يُدخِلَنا هذا المكان المقدس، إلا القدوس الذي أتى من هناك! هذا الشخص القدوس هو يسوع المسيح، ابن العليّ السرمدي، حمل الله، الذي جاء من الفردوس، ومات كذبيحة للتكفير عن الخطية، ثم قام من الأموات، وعاد إلى الفردوس!

فمَن إذاً يستطيع أن يدخل الفردوس؟ فقط أولئك الذين تطهَّروا بالإيمان بيسوع الفادي، وبدمه الذي سفكه؛ أولئك وحسب هم الذين سيدخلون الفردوس! هذا هو ما تعلنه كلمة الله، إذ تقول:
‘‘إذ لا فرق. الجميع أخطأوا، وهم عاجزون عن بلوغ ما يمجِّد الله. فهم متبرِّرون مجاناً بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح. الذي قدَّمه الله كذبيحة كفارة (أي للتكفير عن الخطية)، عن طريق الإيمان بدمه.’’ (رومية 22:3-25)

‘‘إن كنَّا نقبل شهادة إنسان، فشهادة الله أعظم؛ لأنها شهادة الله التي شهد بها عن إبنه. من يؤمن بابن الله، فعنده الشهادة في نفسه. ومن لا يصدِّق الله، فقد جعله كاذباً؛ لأنه لم يؤمن بالشهادة التي شهد بها الله عن ابنه. وهذه هي الشهادة: أن الله أعطانا حياةً أبديةً، وهذه الحياة هي في ابنه. من له الابن، فله الحياة؛ ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة. كتبتُ هذا إليكم، أنتم المؤمنين باسم ابن الله؛ لكي تعلموا أن لكم حياةً أبدية.’’ (1يوحنا 9:5-13)

وأنتم يا من تستمعون إلينا اليوم،
.. هل أنتم واثقون أن لكم حياةً أبدية؟
.. هل أنتم واثقون أنكم ستدخلون الفردوس، وتفرحون في محضر الله إلى الأبد؟
.. هل آمنتم على اسم ابن الله؟
.. هل أسمائكم مكتوبة في سفر حياة الخروف؟

أصدقائي المستمعين ..
فلنفكِّر مليَّاً فيما قرأناه اليوم؛ لأن الله يريد أن يعطينا بصيرةً وفهماُ لكل هذا ..

نشكركم على كريم إصغائكم ..!
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في هذه الآية العجيبة والمدهشة من كلمته، والتي تقول:
‘‘ما لم ترَ عينٌ، ولم تسمعْ أذنٌ، ولم يخطرْ على بالِ إنسانٍ،
.. ما أعدَّه الله للذين يحبونه.’’
(1كورنثوس 9:2)
ــــــــــــــــ

 الدرس التاسع والتسعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية