النزول المحطة القادمة

 

  بدت علامات القلق على وجه سيدة كانت تستقل أحد القطارات التي تجري على خطوط أوربا. وكان يجلس بجوارها رجل يبدو على وجهه الوقار. برقة بالغة سألها عن سرّ قلقها: أجابته قائلة: " إنني مسافرة الى مدينة أمنتوفل المعروفة ببردها المهول، والطريق بالنسبة لي مجهول" ثم نظرت الى رضيعتها.

 

أدرك الرجل قلقها، وفي يقين شديد أجابها... لا تخافي يا سيدتي، إني أمر بهذا الخط دائما وأعرف جميع محطاته، يمكنك أن تستريحي وسأوقظك في المحطة التي تسبق محطتك.

 

التقطت السيدة أنفاسها وشكرته بحرارة، وراحت مع طفلتها في نوم عميق...

 

مضت ساعات، وانطوت محطات، والقطار ينهب الطريق نهبا وسط العواصف الثلجية وحلوكة الظلام، وقد أمسى الركاب في هدوء تام، إلا ذلك الرجل الذي وضع على عاتقه السهر حتى يفي بوعده ويصدق في قوله.

 

توقف القطار في المحطة التي تسبق "أمونتوفل" ، فأقترب الرجل من السيدة، مخاطبا إياها وقائلا... إستعدي للنزول المحطة القادمة...

 

جمعت تلك السيدة حاجاتها القليلة خلف ظهرها، مستعدة للنزول... وما أن توقف القطار حتى ودعها الرجل قائلا: حمدا لله على سلامتك، لقد وصلت محطتك...

 

ما أن نزلت السيدة وابنتها التي تحتضنها، حتى تابع القطار سيره...

 

أخذ الرجل مقعده، راجيا أن يأخذ قسطا من الراحة، إذ كان قد تعب من جراء سهره طول الليل... ما أن مرة خمسة عشر دقائق، وقبل أن يستسلم للنوم توقف القطار مرة أخرى... نظر ذلك الرجل من النافذة، وكاد قلبه يقف... إذ به يصعق في ذهول...

 

إنها محطة أمونتوفل...

 

صرخ الرجل، آه ماذا فعلت ... إنقذوها... أرجوكم أن تنقذوها... إستيقظ جميع من في القطار لدى صراخ هذا الرجل... وهو يغطي وجهه بيديه المرتعشتين  ويقول... لقد أشرت عليها بمشورة خاطئة حمقاء...

 

لقد إتضح الأمر بأن التوقف السابق لم يكن في محطة أمونتوفل، بل كان نتيجة تعرض القطار لحوائط ثلجية، أدت إلى توقفه للحظات...

 

لدى الأتصال بالمحطة المركزية لإخذ التعليمات، ذهب بعض الركاب المتطوعين والمسوولين عن سير القطار للبحث عن تلك السيدة وابنتها الرضيعة... لم يكن الطقس ملائما، إذ كانت الرياح شديدة والبرد قارص، والليل باقٍ، وكاد الجميع بالرجوع خوفا على حياتهم ... لكن، لدى مرور ساعات وسط تلك العاصفة... أخيرا وجدوا تلك السيدة ملقات على الثلج وابنتها مشدودة على صدرها والإثنان معا كتلة من الجليد...

 

لقد كان هذا الرجل يصرخ ويبكي قائلا... أريدها أن تعيش... أريدها أن تعيش...

 

أخي وأختي... كم من البشر يسلمون مصيرهم لبشر نظيرهم، وما أتعس المصير... ولو كانوا أسمى البشر...

 

ما أكثر الناس الذين يبحثون عن الطريق، فيلتفتون الى هذا وذاك... لكن الى رب الحياة لا يلتفتون...

 

يقول الرب يسوع ... أنا هو الطريق والحق والحياة... ليس أحد يأتي الى الآب الى بي...لإنه ليس بأحد غيره الخلاص...

 

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية