76
الراعي الصالح

يوحنا 10

أصدقائي المستمعين ..
نحيِّيكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البرِّ الذي أسَّسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدِّم لكم حلقة أخرى من برنامجكم .. ‘‘طريق البر’’!

في الحلقة السابقة، رأينا الرب يسوع يخبر تلاميذه أنه لابد وأن يموت في أورشليم، ثم يقوم من الأموات في اليوم الثالث. فلقد كان يسوع يعرف أنه وُلِد في هذا العالم؛ ليسفك دمه كذبيحة لغفران الخطية. ورأينا أيضاً، الرب يسوع وهو يُظهِر مجده العظيم، عندما كان على الجبل مع ثلاثة من تلاميذه. حينئذ، أضاء وجه يسوع كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وهكذا، ظهر مجد الله الذي كان في يسوع.

واليوم، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل المقدس، ونرى كيف شبَّه الرب يسوع هؤلاء الذين تبعوه بالخراف المطمئنَّة. وقد رأينا سابقاً في كتابات الأنبياء، أن الله كثيراً ما شبَّه نسل آدم بالخراف الضالَّة التي بلا راعٍ. إلا أن الله لا يريد أن يهلك نسل آدم، كالخراف التي بلا راعٍ. ولهذا، أرسل الله من السماء راعياً قديراً؛ ليرشدنا في طريق السلام، ويخلِّصنا من ألدّ أعدائنا: الشيطان والخطية والموت وجهنم. هل تعرف الراعي الصالح، الذي أرسله الله لنسل آدم؟ إن كنت لا تعرفه، فإننا ندعوك أن تصغي إلى درس اليوم!
دعونا نقرأ من إنجيل يوحنا، الأصحاح العاشر، حيث يتحدَّث يسوع إلى الجموع المحتشدة حوله. يقول الكتاب:
‘‘الحق الحق أقول لكم أن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارقٌ ولصٌ. وأما الذي يدخل من الباب، فهو راعي الخراف. .. هذا المثل قاله لهم يسوع، أما هم فلم يفهموا ما هو الذي كان يكلِّمهم به. فقال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف.
.. أنا هو الباب، إن دخل بي أحد، فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. وأما أنا فقد أتيت لتكون لكم حياة، وليكون لكم أفضل.
.. أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً، الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبدِّدها. والأجير يهرب؛ لأنه أجير ولا يبالي بالخراف. أما أنا فإني الراعي الصالح، وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني. كما أن الآب يعرفني، وأنا أعرف الآب.
.. وأنا أضع نفسي عن الخراف. .. لهذا يحبني الآب؛ لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي.

‘‘فحدث أيضاً انشقاق بين اليهود، بسبب هذا الكلام. فقال كثيرون منهم: به شيطان، وهو يهذي. لماذا تسمعون له؟ آخرون قالوا: ليس هذا كلام من به شيطان. ألعلَّ شيطان يقدر أن يفتح أعين العميان؟
‘‘فاحتاط به اليهود، وقالوا له: إلى متى تعلِّق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح، فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع: إني قلت لكم، ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي، هي تشهد لي. ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها، هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد. فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه. أجابهم يسوع: أعمالٌ كثيرةٌ حسنةٌ أريتكم من عند أبي. بسبب أي عمل منها ترجمونني؟
‘‘ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف. فإنك وأنت إنسان، تجعل نفسك إلهاً. أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة. وإن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن يُنقَض المكتوب. .. فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنك تجدف، لأني قلت إني ابن الله؟ إن كنت لست أعمل أعمال أبي، فلا تؤمنوا بي. لكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي، فآمنوا بالأعمال؛ لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيَّ وأنا فيه.’’ (يوحنا 1:1-39)

.. هل سمعتم ما قاله يسوع لليهود؟
حيث أن وقتنا لا يسمح أن نشرح كل ما قاله يسوع بالتفصيل، فسنركِّز كل أفكارنا على اثنين فقط من الأسماء التي أشار بها يسوع إلى نفسه.
هل سمعتم هذين الاسمين؟ هذان الإسمان هما ‘‘باب الخراف’’، ‘‘والراعي الصالح’’.

لقد سمعنا أولاً يسوع وهو يشبه نسل آدم بالخراف. فقال للجموع: ‘‘أنا هو باب الخراف، إن دخل بي أحد، يخلص.’’
ولكن، .. لماذا قال يسوع عن نفسه أنه ‘‘باب الخراف’’؟
.. في تلك الأيام، كان الراعي، عندما يصنع حظيرة لخرافه، يبني سورها من فروع الشجر الشائكة أو من الصخور. ولا يصنع في هذا السور إلا فتحة واحدة، يدخل من خلالها القطيع. وعندما يحلُّ المساء، وتكون الخراف قد دخلت الحظيرة، ينام الراعي نفسه عند فتحة الباب هذه؛ كي يحرس خرافه. وهكذا، إذا جاء أي حيوان مفترس ليدخل الحظيرة ويقتل الخراف، كان لابد أن يدخل الحظيرة من خلال بابها، حيث يستلقي الراعي نائماً. عندئذ، يستطيع الراعي أن يطارد هذا الحيوان، ويبعده بعيداً قبل أن يؤذي الخراف. بهذه الطريقة، كان الراعي نفسه هو ‘‘باب’’ الحظيرة .. أو بمعنى آخر .. ‘‘باب الخراف’’!

لقد دعى يسوع نفسه ‘‘باب الخراف’’. وهذا يعني أن يسوع يعتني بكل هؤلاء الذين يتبعونه. وهذا يعني أيضاً، أنك قبل أن تُصبِح جزءً من ‘‘قطيع’’ الله، لابد لك وأن تأتي عن طريق يسوع. كل من يريد أن يخلص من فخاخ الشيطان، ومن عقوبة الخطية، ومن قوة الموت، وعقاب جهنم الأبدي، لابد له وأن ‘‘يمرَّ من خلال’’ يسوع. فهو وحده الباب الذي يُدخِل الخطاة إلى الحياة الأبدية. ولهذا تقول كلمة الله:
‘‘وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أُعطِيَ بين الناس، به ينبغي أن نخلص.’’ (أع 12:4)
.. يسوع هو الباب الوحيد للخلاص!

هل تتذكَّرون ما قرأناه من فترة قريبة فيما يخص النبي نوح والطوفان؟
وهل تتذكَّرون كم باب أمر الله نوح أن يصنع للفلك، الذي كان مفروضاً أن يكون ملجأً لكل من يريد أن يهرب من دينونة الطوفان؟
.. لقد كان باباً واحداً فقط!
أي شخص كان يريد أن يهرب من الطوفان، كان لابد أن يمر خلال هذا الباب الواحد للفلك. وكل من دخل من هذا الباب، خلص. وكل من لم يدخل منه، هلك! وبالمثل، من جهة يوم الدينونة، يؤكِّد الكتاب المقدس لنا أن الله قد فتح باباً واحداً للخلاص لنسل آدم. المسيح نفسه هو الباب الذي يستطيع أن يُدخِل الإنسان إلى الحياة الأبدية. ولهذا قال يسوع:
‘‘أنا هو الباب. إن دخل بي أحدٌ فيخلص .. إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف، بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارقٌ ولصٌ.’’ (يوحنا 9:10 ،1)

أما الاسم الثاني الذي دعى به يسوع نفسه، فهو يشبه كثيراً الاسم الأول. فيسوع ليس فقط هو ‘‘باب الخراف’’، بل أيضاً هو ‘‘الراعي الصالح’’. فهو الراعي الصالح؛ لأنه هو الذي أحبنا وبذل حياته من أجلنا. حقاً، يا له من راعٍ عجيبٍ لنا! فقد كتب عنه النبي داود في المزمور الثالث والعشرين يقول:
‘‘الرب راعيَّ، فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضرٍ يربضني. إلى مياه الراحة يوردني. يردُّ نفسي، يهديني إلى سبل البِر من أجل اسمه. أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت، لا أخاف شراً؛ لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني. ترتِّب قدَّامي مائدةً تجاه مضايقيَّ. مسحتَ بالدهن رأسي. كأسي ريَّا. إنما خيرٌ ورحمةٌ يتبعانني كل أيام حياتي. وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام.’’ (مزمور 23)

ما نحتاج أن ندركه، هو المسيَّا نفسه، .. الراعي الصالح الذي كتب عنه داود. ولهذا قال يسوع عن نفسه: ‘‘أنا هو الراعي الصالح.’’، و‘‘أنا و(الله) الآب واحد!’’ (يو 11:10 ،30)
إلا أنه عندما أعلن يسوع أنه ‘‘واحد مع الآب’’، اتهمه اليهود بالتجديف، والتقطوا حجارة ليرجموه. إذ لم يستطيعوا أن يتقبَّلوا فكرة أن يسوع هو الله في جسد إنسان. وحتى هذا اليوم، معظم نسل آدم يتعثَّر في كلمات يسوع هذه. فالبعض يعتقدون خطأً، أنه عندما يقول يسوع أنه واحد مع الله، فلابد أن هذا يعني أن هناك إلهين. ولكن ليس هذا هو المعنى؛ لأن كتب الأنبياء تعلن بوضوح وحدانية الله. إذ تقول: ‘‘الرب إلهنا ربٌ واحد’’ (تث 4:6) ولكن بالرغم من أن ‘‘الله واحد’’، إلا أن هذا لا يمنع الله من أن يُظهِر نفسه على الأرض كإنسان.

وربما يساعدنا على فهم ذلك، مثالٌ توضيحي ..!
.. تأمل الشمس التي تسطع على الأرض بنورها وحرارتها. كم شمس مثل هذه لدينا؟ إنها شمس واحدة فقط. وأين هذه الشمس؟ إنها بعيدة جداً في الفضاء، ولكنها أيضاً هنا على الأرض، تخترق حياتنا بنورها المشرق الواهب الحياة. فالشمس النارية، وضوء الشمس الدافئ، هما واحد. هكذا الله ويسوع، هما واحد..!
قال يسوع: ‘‘أنا و(الله) الآب واحد!’’ لقد أتى الرب يسوع إلى عالمنا كي يوصِّل لنا نور حب الله وخلاصه.
اسمعوا معي ما يعلنه الكتاب المقدس عن الله ويسوع:
‘‘لأن إلهنا نارٌ آكلة!
.. ساكن في نورٍ لا يُدنَى منه!
.. الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب، هو خبَّر.
.. الابن هو بهاء مجد الله، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته. بعد ما صنع
بنفسه تطهيراً لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي!
.. الله سرّ أن فيه (أي في يسوع المسيح) يحلُّ كل الملء (أي ملء اللاهوت)!
.. فإنه فيه يحلُّ كل ملء اللاهوت جسدياً!’’
(عب 29:12؛ 1تي 16:6 ؛ يو 18:1 ؛ عب 3:1 ؛ كو 19:1 ؛ 9:2)
نعم، إن هذا هو ما تعلنه كلمة الله: ‘‘فإنه فيه يحلُّ كلُّ ملءِ اللاهوت جسدياً!’’ (كو 9:2) ومن ثمَّ، استطاع الرب يسوع أن يقول: ‘‘أنا و(الله) الآب واحد!’’
إن المسيح يسوع هو ‘‘الراعي الصالح’’ الذي جاء من السماء، وصار إنساناً، وعاش على الأرض، ووضع حياته المقدسة؛ كي ما يفتدينا من اللعنة التي جلبتها خطيتنا. وهو أيضاً الذي قام من الأموات، والذي يهب حياة أبدية لكل من يؤمن به. ولهذا استطاع يسوع أن يقول:
‘‘. أما أنا فإني الراعي الصالح، .. وأنا أضع نفسي عن الخراف. .. لآخذها أيضاً. .. لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي.’’
(يو 14:10 ،18)
فبدون أي شك، يسوع هو ‘‘الراعي الصالح’’؛ لأنه هو الذي أحبَّنا لدرجة أنه بذل حياته من أجلنا!.

وقبل أن نودِّعكم اليوم، دعونا نستمع مرة أخرى لكلمات الرب يسوع العجيبة التي تقول:
‘‘أنا هو الباب، إن دخل بي أحد، فيخلص .. إن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع آخر، فذاك سارقٌ ولص.
.. أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً، الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب.
.. أنا هو الراعي الصالح .. خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحدٌ من يدي!’’
(يو 9:10-14 ؛ 27-28)

أصدقائي المستمعين ..
من تتبعون؟ .. هل تتبعون الراعي الصالح؟ .. أم تتبعون شخصاً آخر؟
نشكركم على كريم إصغائكم! وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة المقبلة؛ لتسمعوا ما علَّمه يسوع عن الحب والحنان اللذين يملآن قلب الله ..
وليبارككم الله، وأنتم تتذكَّرون ما قاله يسوع عن نفسه:
‘‘أنا هو الباب، إن دخل بي أحد، فيخلص!
.. أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف!’’
(يو 9:10 ،11)
ـــــــــ

 الدرس السابع  والسبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية