69
سـلطان يسـوع

متى 12؛ يوحنا 5

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

مع وصولنا لهذه النقطة من رحلتنا عبر الكتاب المقدس، لابد وأن معظمنا يعرف الآن، أننا ندرس معاً كتاب الإنجيل، الذي يروي لنا الأخبار السارة عن يسوع المسيَّا (أي يسوع المسيح). فهو المخلِّص الذي جاء إلى هذا العالم ليخلِّص نسل آدم من سلطان الشيطان والخطية والدينونة الأبدية.

وعلى مدى بضع الحلقات الأخيرة، رأينا كيف كان يسوع يسافر إلى كل مكان في أرض اليهود، يعلِّم الجموع، ويشفي المرضى فيهم. ومن ثمَّ، تبعه جموع كثيرة من الناس. أما الفرِّيسيون فكان معظمهم في غيرةٍ شديدةٍ منه؛ لأنهم لم يقدروا أن يقاوموا الحكمة التي كان يتكلَّم بها، ولا أن ينكروا القوَّات والعجائب التي كان يصنعها.

واليوم، سنستمر في قراءة الإنجيل؛ لنرى كيف واجه الفرِّيسيون الرب يسوع فيما يخص يوم الراحة ‘‘السبت’’. إذ كان السبت هو اليوم السابع في الأسبوع، اليوم الذي يعطيه الله لليهود كيوم للراحة، بعد عمل ستة أيام. غير أن الفرِّيسيين (أي الحكام الدينيين في هذا الوقت)، اتهموا يسوع بكسر السبت؛ لأنه كان يعمل أعمال حسنة في هذا اليوم. إذ كانوا يتَّخذون من تصرفه هذا ذريعةً ليشوهوا سمعته ويشكِّكوا الناس فيه؛ لأنهم لم يجدوا فيه ما يمكنهم أن يتَّهموه به.

والآن، دعونا نقرأ إنجيل متى، الأصحاح الثاني عشر.
يقول الكتاب:
‘‘في ذلك الوقت، ذهب يسوع في السبت بين الزروع. فجاع تلاميذه، وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون. فالفريسيون لما نظروا، قالوا له: هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت!
.. فقال لهم: أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه؟ كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحلّْ أكله له، ولا للذين معه، بل للكهنة فقط؟ أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنِّسون السبت وهم أبرياء؟ ولكن، أقول لكم أن ههنا أعظم من الهيكل. فلو علمتم ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة؛ لما حكمتم على الأبرياء. فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً.’’
(مت 1:12-8)

إن ليسوع العشرات من الأسماء والألقاب في الكتاب المقدس. واحد من هذه الألقاب التي أطلقها على نفسه، هو لقب ‘‘ابن الإنسان’’..!
.. وهذا اللقب، ‘‘ابن الإنسان’’، يذكِّرنا أن المسيَّا تواضع ليأخذ صورة واحد من نسل
آدم.
.. كما أن هذا اللقب يُظهر مجده؛ لأن ذاك الذي تواضع باتخاذه صورة إنسان، هو نفسه
الذي له كل السلطان والرئاسة، بل وله كل سلطان الدينونة على نسل آدم.
أصدقائي .. دعونا نتأمل في ذلك!
إن كلمة الله وروحه وقوته ومجده، أتى إلى الأرض وأخذ صورة جسد إنسان! نعم، إن يسوع المسيح هو ابن الإنسان، رب السبت، وهو الرب الذي فوق الجميع. غير أن الفريسيين لم يقبلوا يسوع بهذا المفهوم ..!

.. دعونا نستمع لما حدث بعد ذلك!
يقول الكتاب:
‘‘ثم انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم. وإذا إنسان يده يابسة. فسألوه قائلين: ‘هل يحل الإبراء في السبت؟’؛ لكي يشتكوا عليه. فقال لهم: أي إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة، أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف. إذاً يحل فعل الخير في السبت. ثم قال للإنسان: مدّْ يدك، فمدَّها فعادت صحيحة كالأخرى. فلما خرج الفريسيون، تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع، وانصرف من هناك. وتبعته جموع كثيرة، فشفاهم جميعاً.’’
(مت 9:12-15)

نرى هنا، كيف اتَّهم الفرِّيسيون يسوع بفعل ما هو خطأ؛ وذلك، لأنه لم يحترم تقاليدهم.
حقاً .. يا له من رياء!
فهؤلاء الفرِّيسيون لم يكن لديهم أي رحمة من جهة الجياع أو المرضى، بل كل ما كان يهمُّهم هو أن يجعلوا الناس تصدِّق أن تقاليدهم ـ تلك التي كانت تمنع الأعمال الحسنة في السبت ـ جاءت من الله! إلا أن يسوع الذي عرف شر قلوبهم، راح يذكِّرهم بما أعلنه الله في الكتاب؛ إذ قال لهم:
‘‘فلو علمتم ما هو إني أريد رحمة لا ذبيحة؛ لما حكمتم على الأبرياء. فإن ابن الإنسان
هو رب السبت أيضاً!’’

وإذ نستمر في القراءة، يقول الكتاب:
‘‘حينئذ، أُحضِر إليه مجنون أعمى وأخرس. فشفاه حتى أن الأعمى الأخرس تكلَّم وأبصر. وبُهِت كل الجموع، وقالوا: ألعل هذا هو ابن داود! أما الفرِّيسيون، فلما سمعوا، قالوا: هذا لا يُخرِج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين!
‘‘فعلم يسوع أفكارهم، وقال لهم: كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب. وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته، لا يثبت. فإن كان الشيطان يخرج الشياطين، فقد انقسم على ذاته. فكيف تثبت مملكته؟ وإن كنت أنا ببعلزبول أخرج الشياطين، فأبناؤكم بمن يخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن، إن كنت أنا بروح الله، أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله.’’
(مت 22:12-28)

‘‘وبعد هذا، كان عيد لليهود. فصعد يسوع إلى أورشليم. وفي أورشليم، عند باب الضأن، بِرْكة يقال لها بالعبرانية ‘بيت حسدا’، لها خمسة أروقة. وفي هذه، كان مضطجعاً جمهورٌ كثيرٌ من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقعون تحريك الماء. لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة، ويحرِّك الماء. فمن نزل أولاً، بعد تحريك الماء، كان يبرأ من أي مرض اعتراه.
‘‘وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. هذا رآه يسوع مضطجعاً، وعلم أن له زماناً كثيراً. فقال له: أتريد ان تبرأ؟ أجابه المريض: يا سيد، ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء. بل بينما أنا آتٍ، ينزل أمامي آخر. فقال له يسوع: قم، احمل سريرك وامشِ. فحالاً برئ الإنسان، وحمل سريره ومشى.
‘‘وكان في ذلك اليوم سبت. فقال اليهود للذي شُفِي: إنه سبتٌ. لا يحل لك أن تحمل سريرك. أجابهم: إن الذي أبرأني، هو قال لي: احمل سريرك وامش. فسألوه: من هو الإنسان الذي قال لك: احمل سريرك وامش؟ أما الذي شُفِي، فلم يكن يعلم من هو. لأن يسوع اعتزل؛ إذ كان في الموضع جمعٌ.
‘‘بعد ذلك، وجده يسوع في الهيكل. وقال له: ها أنت قد برئت، فلا تخطئ أيضاً؛ لئلا يكون لك أشر. فمضى الإنسان، وأخبر اليهود أن يسوع هو الذي أبرأه. ولهذا؛ كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه؛ لأنه عمل هذا في سبت. فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضاً أن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله.’’
(يو 1:5-18)

دعونا نتوقف هنا لبرهة، ونتساءل:
لماذا كان يطارد الفرِّيسيون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه؟
هل كان هذا لأن يسوع شفى المفلوج في السبت؟
.. لا، لم يكن هذا هو السبب الحقيقي! لقد كانوا يطلبون أن يقتلوا يسوع؛ لأنه كان يقول أن الله أبوه. فلم يكونوا قادرين أن يتقبلُّوا فكرة أن يسوع هو المسيَّا الذي أتى من محضر الله. وهكذا، اتهموا يسوع بالتجديف (أي إهانة الله)، وكانوا يطلبون أن يهلكوه.
ولكن الكتاب يقول:
‘‘فأجاب يسوع وقال لهم: الحق الحق أقول لكم. لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً، إلا ما ينظر الآب يعمل. لأن مهما عمل ذاك، فهذا يعمله الابن كذلك. لأن الآب يحب الابن، ويريه جميع ما هو يعمله. وسيريه أعمالاً أعظم من هذه، لتتعجبوا أنتم. لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيي، كذلك الابن أيضاً يحيي من يشاء. لأن الآب لا يدين أحداً، بل قد أعطي كل الدينونة للابن؛ لكي يكرم الجميع الابن، كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن، لا يكرم الآب الذي أرسله.
‘‘الحق الحق أقول لكم، إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني، فله حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.’’
(يو 19:5-24)

‘‘إن كنت أشهد لنفسي، فشهادتي ليست حقاً. الذي يشهد لي هو آخر، وأنا أعلم أن شهادته التي يشهدها لي، هي حقٌ.
.. أنتم أرسلتم إلى يوحنا، فشهد للحق. وأنا لا أقبل شهادة من إنسان. ولكني أقول هذا لتخلصوا أنتم. كان هو السراج المُوقَد المنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة. وأما أنا، فلي شهادة أعظم من يوحنا.
.. لأن الأعمال التي أعطاني الآب لأكملها، هذه الأعمال بعينها التي أنا أعملها، هي تشهد لي أن الآب قد أرسلني.
.. والآب نفسه الذي أرسلني، يشهد لي. لم تسمعوا صوته قط، ولا أبصرتم هيئته. وليست لكم كلمته ثابتة فيكم. لأن الذي أرسله هو لستم أنتم تؤمنون به.
.. فتِّشوا الكتب، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية؛ وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة.
.. مجداً من الناس لست أقبل. ولكن، قد عرفتكم أن ليس لكم محبة الله في أنفسكم. أنا قد أتيت باسم أبي، ولستم تقبلونني. وإن أتى آخر باسم نفسه، فذلك تقبلونه. كيف تقدرون أن تؤمنوا، وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟

‘‘لا تظنُّوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدِّقون موسى، لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدِّقون كتب ذاك، فكيف تصدِّقون كلامي؟’’
(يو 19:5-47)

هل تسمعون كيف وبَّخ الرب يسوع الفرِّيسيين الذين أرادوا أن يقتلوه؟
.. فقد أخبرهم أن من يرفض المسيَّا الذي أرسله الله من السماء، إنما يرفض شهادة كلام وأعمال المسيَّا التي لا تقارن بغيرها، بل ويرفض شهادة يوحنا النبي، وشهادة موسى النبي، وشهادة الكتب نفسها.
باختصار، .. من يرفض المسيَّا، يرفض الله ذاته!
لأن من لا يكرم الابن، .. لا يكرم الآب الذي أرسله!
فرفْضِنا لكلام يسوع وسلطانه إنما هو رفضٌ لكلام الله وسلطانه؛ لأن يسوع هو كلمة الله عينها، وهو الشخص الذي عهد الله إليه بكل الدينونة والرئاسة والسلطان.

فمن يؤمن حقاً بالله وأنبيائه، يؤمن أيضاً أن يسوع هو المسيَّا الذي جاء من السماء؛ لأن جميع أنبياء الله شهدوا له! أولئك الذين يعرفون كتب الأنبياء ويؤمنون بها؛ يعرفون أيضاً ويؤمنون أن يسوع، ابن مريم، هو من اختاره الله ليكون مخلِّص العالم. هذا هو ما قاله يسوع للفريسيين عندما قال:
‘‘فتِّشوا الكتب، لأنكم تظنُّون أن لكم فيها حياة أبدية؛ وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة. .. لا تظنُّوا أني أشكوكم إلى الآب. يوجد الذي يشكوكم وهو موسى الذي عليه رجاؤكم. لأنكم لو كنتم تصدِّقون موسى، لكنتم تصدِّقونني، لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدِّقون كتب ذاك، فكيف تصدِّقون كلامي؟’’
(يو 39:5-40، 45-47)


آه يا أصدقائي، ..
.. فلنفكر مليَّاً في هذه الكلمات؛ لأن الله يريد أن يعطينا البصيرة في معناها الكامل. إن الله يريد أن يكون الحق في قلوبنا. فإن كنَّا نصدِّق الأنبياء، فينبغي أن نصدِّق ذاك الذي شهد عنه جميع الأنبياء، .. ألا وهو يسوع المسيَّا!

أصدقائي ..
دعونا نترككم مع هذا السؤال:
.. هل حقاً تصدِّق الأنبياء، .. جميع هؤلاء الأنبياء؟
فالكثير منا يسرع في تصديق شهادة شخص واحد. ولكن، وللغرابة، نجد أن قليلون هم من يصدِّقون الشهادة المؤكَّدة لأنبياء الله الكثيرين، الذين كتبوا الكتاب المقدس.
.. فماذا عنك أنت، عزيزي المستمع؟ ‘‘هل تؤمن بالأنبياء؟’’ (أع 27:26)

أعزائي المستمعين ..
إلى هنا ينتهي وقت حلقتنا اليوم..!
نشكركم على كريم إصغائكم! وندعوكم أن تكونوا معنا في الحلقة القادمة، إذ نستمر في قراءة قصة يسوع المسيَّا العجيبة ..!

وليبارككم الله ويتكلَّم إليكم، وأنتم تتأملون فيما قاله الرب يسوع للفرِّيسيين، عندما قال:
‘‘لأنكم لو كنتم تصدِّقون موسى، لكنتم تصدِّقونني، لأنه هو كتب عني.
.. فإن كنتم لستم تصدِّقون كتب ذاك، فكيف تصدِّقون كلامي؟’’
(يو 47:5)
ــــــــــــ

 

 الدرس السبعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية