64
حمـل الله

يوحنا 1،3

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

على مدى الحلقتين السابقتين، رأينا أن يسوع المسيح كان فريداً ..
في ميلاده، وفي طبيعته ..!
.. فبالنسبة لميلاده، اكتشفنا أنه لم يكن هناك مَن وُلِد كولادة يسوع. وذلك، لأنه لم يكن له أب أرضي، وأنه وُلِد من عذراء، وبقوة روح قدس الله.
.. أما بالنسبة لطبيعته، فكان يسوع فريداً فيها. فلم يكن هناك من وُلِد بطبيعة مقدسة مثله. إذ كان له جسدٌ مثلنا، ولكنه لم يكن له طبيعتنا الشريرة. ولم يكن يسوع ملوَّثاً بالخطية؛ لأنه كان المخلِّص الذي أرسله الله إلى العالم ليحمل عنا عقاب خطيتنا.

واليوم، نود أن نستمر في قراءة الإنجيل، لنسمع معاً ما شهد به النبي يوحنا (أو يحيى) عن يسوع. إذ أن يوحنا كان هو النبي الذي أرسله الله ليُعدَّ الطريق أمام المسيَّا.

وإذ نقرأ إنجيل يوحنا، والأصحاح الأول، يقول لنا الكتاب:
‘‘وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنةً ولاويين ليسألوه: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح (أي لست المسيَّا)! ..
.. فقالوا له: من أنت، لنعطي جواباً للذين أرسلونا؟ .. ماذا تقول عن نفسك؟
‘‘فقال: أنا صوتُ صارخٍ في البرية: قوِّموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي. .. وأجابهم يوحنا قائلاً: أنا أعمِّد بماء. ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدَّامي، الذي لست بمستحقٍ أن أحلَّ سيور حذائه. هذا كان في بيت عبرة، في عبر الأردن، حيث كان يوحنا يعمِّد.
‘‘وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه، فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم. هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي رجلٌ صار قدَّامي، لأنه كان قبلي.’’
(يو 19:1-20، 22-23، 26-30)

أعزائي المستمعين ..
دعونا نتوقف هنا لبرهة، ونتأمل في شهادة النبي يوحنا!
.. هل سمعتم كيف أشار يوحنا إلى المسيَّا؟
تعالوا نستمع مرة أخرى لما قاله الكتاب! يقول الكتاب:
.. ‘‘نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه، فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم!’’
ولقد قرأنا من قبل كيف أطلق أنبياء الله على المسيَّا ألقاب عديدة أمثال: المخلِّص، والملك، وكلمة الله، وابن الله. والآن، نسمعهم يدعونه أيضاً ‘‘حَمَل الله’’. وهذا اللقب هو لقب في غاية الأهمية، ويستحق بعض التوضيح.

.. ولكن، لماذا دعا يوحنا يسوع باسم ‘‘حَمَل الله’’؟ .. هل كان يسوع حَمَلاً؟
لا بالطبع؛ فيسوع لم يكن حملاً حقيقياً. فالسنغاليون مثلاً، يدعون أنفسهم ‘‘أسوداً’’؛ إذ أن الأسد في ثقافتهم مرتبط بالحظ السعيد، ولكنهم من الواضح أنهم ليسوا في الحقيقة أسوداً، بل بَشَراً. فكلنا نعرف تماماً أن هذا لا يزيد عن كونه مجرد تشبيه، وأننا نستعمله لمجرد أننا جميعاً نود أن تكون لنا قوة الأسد وشجاعته.
.. ولكن، لماذا دعا يوحنا يسوع باسم ‘‘حمل الله’’؟
.. ولماذا يمكن أن يرغب المرء في أن يكون مثل الحمل؟
.. ولماذا يشير يوحنا إلى يسوع، ويقول لتلاميذه: ‘‘هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية
العالم!’’؟

أعزائي المستمعين ..
لكي نفهم ماذا يعنيه لقب ‘‘حمل الله’’، لابد لنا أن نتذكر الحُكْم الذي حكم به الله بعد خطية آدم وحواء. إذ حكم الله أن أجرة الخطية هي الموت وجهنم، وأنه إذا لم يُسفك دم ذبيحة بلا عيب، فلن يكون هناك غفرانٌ للخطية. ومن ثمَّ، نقرأ عن الابن الثاني لآدم وحواء، هابيل، وكيف أنه صدَّق الله، وذبح حملاً، وقدَّمه لله على المذبح كذبيحة لغفران الخطية. وعندما رأى الله دم الحمل، ألغى عقاب خطية هابيل، وحكم ببرِّه؛ وذلك، لأن حملاً بريئاً قد مات بدلاً منه.
إلا أن الله قال أيضاً أن دم الحمل لا يمكن أن يُقبَل إلى الأبد كأجرة كافية للخطية؛ لأن قيمة الحيوان لا تساوي قيمة الإنسان. فالحمل كان مجرَّد ظلٍ ورمزٍ للمخلِّص القدوس الذي كان عتيداً أن يأتي إلى العالم؛ ليسفك دمه، ويخلِّص الخطاة من دينونة الله البارة.

لقد كتب النبي إشعياء، قبل ميلاد يسوع بسبعمئة عام، كيف ‘‘سيُساق المسيَّا كحملٍ إلى الذبح’’، كذبيحة لترفع عنا خطايانا (إش 7:53). ومن ثمَّ، فبين زمن هابيل وزمن المسيَّا، كان كل من صدَّق الله، يحترم ذبائح الحملان، ويشترك في تقديمها. فالكل، إبتداءً من نوح وإبراهيم وموسى وسليمان وكل الأنبياء، إلى كل أولئك الذين صدَّقوا كلمة الله، الجميع كانت لهم العادة أن يقدموا لله ذبائح من حملان بلا عيب. وبهذه الطريقة، كان جميعهم يتطلَّعون إلى اليوم الذي يرسل فيه الله الذبيحة النهائية، التي هي الفادي القدوس، الذي سيسفك دمه كذبيحة ترفع الخطية إلى الأبد.

ولهذا، أصدقائي الأعزاء، .. عندما رأى يوحنا يسوع قادماً إليه، أشار يوحنا إليه قائلاً لتلاميذه: ‘‘هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم!’’
وهكذا، أعلن يوحنا لتلاميذه أن يسوع هذا الواقف أمامهم، هو المسيَّا ‘‘الحمل’’ الذي أرسله الله من السماء، والذبيحة الكاملة التي تنبَّأ عنها جميع الأنبياء. إن يسوع هو الذبيحة المقدسة الذي أتى إلى العالم ليموت بدلاً من نسل آدم؛ لكي يغفر الله لنا خطايانا إلى الأبد.

ثم بعد ذلك، يقول الكتاب:
‘‘وفي الغد أيضاً، كان يوحنا واقفاً، هو واثنان من تلاميذه. فنظر إلى يسوع ماشياً. فقال: هوذا حمل الله. فسمعه التلميذان يتكلَّم، فتبعا يسوع. فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان، فقال لهما: ماذا تطلبان؟ فقالا: ربي ـ الذي تفسيره: يا معلم ـ أين تمكث؟ فقال لهما: تعاليا، وأنظرا. فأتيا ونظرا أين كان يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم. وكان نحو الساعة العاشرة. وكان اندراوس أخو سمعان بطرس، واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. هذا وجد أولاً أخاه سمعان، فقال له: قد وجدنا المسيَّا! .. فجاء به إلى يسوع. فنظر إليه يسوع وقال: أنت سمعان ابن يونا. أنت تُدعَى ‘صفا’، الذي تفسيره ‘بطرس’ (أي صخرة). وفي الغد، أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل. فوجد فيلبُّس، فقال له: اتبعني. وكان فيلبُّس في بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس. فيلبُّس وجد نثنائيل، وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة! فقال له نثنائيل: أما من الناصرة يمكن أن يكون شيءٌ صالح؟ فقال له فيلبس: تعال وانظر!’’
(يو 35:1-46)

وهكذا، بدأ تلاميذ يوحنا يتبعون يسوع!
.. ولكن، لماذا ترك تلاميذ النبي يوحنا إياه، واتَّبعوا الرب يسوع؟
لقد بدأوا يتَّبعون يسوع؛ لأنهم صدَّقوا يوحنا عندما قال لهم، أن يسوع هو المسيَّا وحمل الله الذي تنبأ عنه جميع الأنبياء!
وهكذا، .. فعندما أدرك واحد من تلاميذ يوحنا، الذي هو ‘‘أندراوس’’، أن يسوع هو المسيَّا، ذهب ليبحث عن أخيه سمعان بطرس، وعندما وجده، قال له: ‘‘قد وجدنا المسيَّا!’’
.. وعندما أدرك تلميذ آخر يُدعى ‘‘فيلبُّس’’، من هو يسوع، فرح فرحاً عظيماً، وقال لصديقه نثنائيل: ‘‘وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة!’’

نعم، إن أندراوس وبطرس، وفيلبس ونثنائيل، فرحوا فرحاً عظيماً عندما رأوا يسوع؛ لأنهم عرفوا أن الأنبياء كانوا يتنبَّأون عن مجيء المسيَّا على مدى آلاف من السنين!
والآن، .. يرون المسيَّا بعيونهم!!
مجداً لله..!! إن المخلِّص القدير، الذي كان يتنبَّأ عنه جميع أنبياء الله، هو الآن بينهم!! مجداً لله؛ فأخيراً جاء المسيَّا! وهكذا، بدأ هؤلاء التلاميذ الأربعة ليوحنا، يتبعون يسوع، وصاروا أوائل تلاميذه.

وبعد ذلك، يقول الكتاب:
‘‘ثم اجتاز من هناك، فرأى يسوع أخوين آخرين: يعقوب ابن زبدي ويوحنا أخاه، مع زبدي أبيهما، يصلحان شباكهما، فدعاهما. فللوقت، تركا السفينة وأباهما، وتبعاه.
‘‘وكان يسوع يطوف كل الجليل، يعلِّم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرضٍ وكل ضعف في الشعب. فذاع خبره في جميع سوريَّة. فأحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة، والمجانين والمصروعين والمفلوجين، فشفاهم. فتبعته جموع كثيرة من الجليل والعشر المدن وأورشليم واليهودية ومن عبر الأردن.’’
(مت 21:4-25)
وفي الحلقة القادمة، إن شاء الله، سنتجوَّل أكثر بين القصص التي ترينا كيف علَّم الرب يسوع الجموع، وكيف صنع معجزات عظيمة بينهم. وسنرى أن يسوع، بأقواله وأعماله، أثبت أنه كان ما قاله عن نفسه ـ أي أنه المسيَّا الذي كتب عنه جميع الأنبياء!
غير أننا، في الوقت المتبقي لنا اليوم، سوف نستمر في القراءة؛ كي نرى ما حدث للنبي يوحنا. وكما رأينا للتو، فبعد أن أعلن يوحنا أن يسوع هو المسيَّا، بدأ تلاميذ يوحنا يتركونه واحداً واحداً، لكي يتبعوا الرب يسوع.
.. ولكن، هل هذا سَرَّ يوحنا؟
.. هل كان النبي يوحنا مسروراً أن يتركه تلاميذه، ويتبعوا يسوع؟ .. ماذا تعتقدون؟

اسمعوا معي لما يقوله إنجيل يوحنا، الأصحاح الثالث:
‘‘فجاء (بعض الناس) إلى يوحنا، وقالوا له: يا معلِّم، هوذا الذي كان معك في عبر الأردن، الذي أنت قد شهدت له، هو يعمِّد، والجميع يأتون إليه.
‘‘أجاب يوحنا وقال: لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطِي له من السماء. أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت: لست أنا المسيح، بل إني مرسلٌ أمامه. من له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس ..
.. إذاً فرحي هذا قد كمُل. ينبغي أن ذلك يزيد، وأني أنا أنقص!’’
(يو 26:3-30)

أعزائي المستمعين ..
.. ما رأيكم في موقف يوحنا؟
لقد عبَّر يوحنا عن فرحه العظيم عندما تركه تلاميذه، وتبعوا المسيِّا! كان فرح يوحنا كاملاً؛ لأنه قد أتمَّ مهمَّته؛ أي قد أعدَّ الطريق أمام المسيَّا. فكنبيٍّ حقيقيٍّ لله، لم يرغب يوحنا إلا فيما كان يقود الناس للمسيَّا.
.. آه؛ كم يختلف النبي يوحنا عن العديد من القادة الدينيين اليوم!
إن القائد الروحي الحقيقي هو الذي يوجِّهك دائماً إلى الرب يسوع؛ لأن يسوع هو الوحيد الذي يستطيع أن يدخلك إلى محضر الله في الفردوس. لقد كان يوحنا يعرف أن هناك أنبياءً كثيرين لله، ولكن هناك مخلِّصاً واحداً! ولهذا قال يوحنا:
‘‘الذي يؤمن بالابن، له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن، لن يرى حياةً، بل يمكث عليه غضب الله.’’ (يو 36:3)

أما عن نهاية حياة يوحنا، يقول الكتاب:
‘‘وبأشياء أُخَر كثيرةٍ، كان يوحنا يعظ الشعب ويبشِّرهم (عن المسيَّا). ولكن .. يوحنا وبَّخ هيرودس رئيس الربع؛ لسبب (زواجه من) هيروديَّا امرأة فيلبُّس أخيه، ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها.’’
(لو 18:3-19)

ولهذا السبب، أصدر هيرودس أوامره بأن يُقبَض على يوحنا، ويُقيَّد ويوضع في السجن. وفي النهاية، قطع هيرودس رأس يوحنا إرضاءً لزوجته. (انظر مر 17:6 ،27) وهكذا، دخل يوحنا إلى مجد محضر الله في السماء.

ويخبرنا الكتاب المقدس أن يوحنا كان نبيَّاً عظيماً، بل حتى أعظم من الأنبياء الذين جاءوا قبله. .. ولكن، ما الذي جعل يوحنا أعظم من الأنبياء الذين قبله؟
هذه هي الإجابة:
.. أن جميع الأنبياء كانوا يبشرون قائلين: ‘‘إن المسيَّا سيأتي! سيأتي! سيأتي!’’
.. أما يوحنا فكان يبشر قائلاً: ‘‘إن المسيَّا هنا! اسمه يسوع! أنظروا! إن حمل الله الذي سيُقتَل ليرفع خطية العالم، قد أتى! اتبعوه!’’
وهكذا، .. أنجز يوحنا مهمَّته كالنبي اللامع الذي أعدَّ الطريق أمام المسيَّا!

أعزائي المستمعين ..
نشكركم على كريم إصغائكم. وفي الحلقة القادمة، بإذن الله، سنستمر في قراءة الإنجيل، لنكتشف لماذا دُعي يسوع ‘‘الطبيب الأعظم’’!

وليبارككم الله، ويعطيكم البصيرة والفهم فيما درسناه اليوم. فليس هناك أهم مما أعلنه النبي يوحنا عن يسوع المسيَّا، عندما قال:
‘‘هوذا حَمَلُ الله، .. الذي يرفعُ خطيَّةَ العالم.’’
(يو 29:1)

ــــــــــــ
 

 الدرس الخامس والستون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية