48
الملك داود ووعد الله

صموئيل الأول 18 – صموئيل الثاني 7

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

في حلقة اليوم، نستمر في دراستنا لقصة النبي داود. رأينا في الحلقة قبل السابقة، كيف اختار الله داود الشاب الصغير ليكون الملك الثاني لإسرائيل، بالرغم من أنه لم يبدأ ملكه في اليوم الذي مسحه الله فيه. فقد رفض الله شاول، الملك الأول، لأنه لم يكن مهتماً أن ينفذ إرادة الله. إلا أن الله شهد لداود قائلاً: ‘‘وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبي، الذي سيصنع كل مشيئتي.’’ (أع 22:13) ورأينا في درسنا السابق، كيف قتل داود جليات العملاق، وهزمه بمقلاع وحجر، وإيمان راسخ في الله الحي.
دعونا الآن نكمل قصة داود، ونرى كيف حل داود محل شاول كملك لإسرائيل.

وإذ نستمر في قراءة سفر صموئيل، يقول الكتاب:
‘‘وكان عند مجيئهم، حين رجع داود من قتل الفلسطينيِّ، أنَّ النساءَ خرَجَت من جميع مدن إسرائيل بالغناء والرقص، للقاء شاول الملك بدفوفٍ وبفرحٍ وبمثلثاتٍ. فأجابت النساءُ اللاعباتُ وقلن: ضرب شاول ألوفه، وداود ربواته. فاحتمى شاول جداً، وساءَ هذا الكلام في عينيه، وقال: أعطين داود ربواتٍ، وأما أنا فأعطينني الألوف. وبعد فقط تَبْقَى له المملكةُ. فكان شاول يعاين داود من ذلك اليوم فصاعداً.’’ (1صم 6:18-9)

وهكذا، يحكي لنا الكتاب، كيف أحب شعب إسرائيل داود حباً عظيماً. ولكن، على قدر ما أحبه الشعب، كرهه شاول. إذ ملأت الغيرة قلب شاول، وتملَّكت منه، حتى أن كل ما كان يستحوذ على تفكيره، هو كيف يستطيع التخلص من داود. ومن ثمَّ، هرب داود إلى الصحراء، واختبأ فيها، مع أربعمئة رجل إسرائيلي كانوا يتبعونه. وكان شاول وجنوده يبحثون عن داود ورجاله في البرية. وفعل شاول كل ما كان في وسعه ليقبض على داود، ويقتله. ولكنه لم يستطع أن يفعل هكذا، لأن الله كان مع داود. إلا أن شاول، سبب لداود الكثير من الضيق. فلمدة ثماني سنوات طويلة، كان على داود ورجاله أن يظلوا هاربين من غضب الملك شاول.

إلا أن الغيرة والغضب اللتين أظهرهما الملك شاول تجاه داود، لم يجعلا داود يكره شاول. ولكن، لماذا لم يكره داود شاول، الرجل الذي كان يحاول قتله؟ لم يكره داود شاول، لأن داود كان يسير مع الله، الذي يشرق من شمسه على الأبرار والأشرار على السواء. إذ يقول الكتاب:
‘‘كل من يحبُّ، فقد وُلِد من الله، ويعرف الله. ومن لا يحبُّ، لم يعرف الله، لأن الله محبةٌ. نحن نحبه، لأنه هو أحبنا أولاً. إن قال أحدٌ إني أحب الله وأبغض أخاه، فهو كاذبٌ.’’ (1يو 7:4 ،8 ،19 ،20)

ولا يسعنا الوقت اليوم، لكي نقرأ عن كل ما دار من أحداث بين شاول وداود. ولكننا، نريد أن نتأمل في واحدة من القصص، ونلاحظ اتضاع داود ومحبته. وإذ نقرأ في سفر صموئيل الأول، والأصحاح الثاني والعشرين، يقول الكتاب:
‘‘وجاء بعض الناس إلى شاول، وأخبروه قائلين: هوذا داود في بريَّةِ عينِ جديٍ. فأخذ شاول ثلاثة آلاف رجلٍ منتخبين من جميع إسرائيل، وذهب يطلب داود ورجاله على صخور الوعول. وجاء إلى صير الغنم التي في الطَّريق، وكان هناك كهفٌ، فدخل شاول لكي يُغطّي رجليه، وداود ورجالُهُ كانوا جلوساً في مغابن الكهف.
‘‘فقال رجال داود له: هو ذا اليوم الذي قال لك عنه الرَّبُّ، هأنذا أدفع عدوك ليدك، فتفعل به ما يحسنُ في عينيك. فقام داود، وقطع طرَفَ جًبَّةِ شاول سراً. وكان بعد ذلك، أنَّ قلب داود ضربه على قطْعِهِ طرف جُبَّةِ شاول. فقال لرجاله: حاشا لي من قِبَلِ الرَّبِّ أن أعمل هذا الأمر بسيدي، بمسيحِ الرَّبِّ، فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرَّبِّ هو. فوبخ داود رجاله بالكلام، ولم يدعهم يقومون على شاول. وأما شاول، فقام من الكهف، وذهب في طريقه.
‘‘ثم قام داود بعد ذلك، وخرج من الكهف، ونادى وراءَ شاول قائلاً: يا سيدي الملك. ولما التفت شاول إلى ورائه، خرَّ داود على وجهه إلى الأرضِ، وسجد. وقال داود إلى شاول: لماذا تسمع كلام الناسِ القائلين، ‘هوذا داود يطلب أذيتك’؟. هو ذا قد رأت عيناك اليوم هذا، كيف دفعك الرَّبُّ اليوم ليدي في الكهف، وقيل لي أن أقتلك، ولكنني أشفقت عليك، وقلت لا أمدُّ يدي إلى سيدي، لأنه مسيح الرَّبِّ هو. فانظر يا أبي، انظر أيضاً طرَفَ جُبتَّك بيدي. فمن قطعي طرف جُبتَّك، وعدم قتلي إياك، اعلم وانظر أنَّه ليس في يدي شرٌ ولا جرمٌ، ولم أُخطئ إليك، وأنت تصيد نفسي لتأخذها. يقضي الرَّبُّ بيني وبينك، وينتقم لي الرَّبُّ منك، ولكن يدي لا تكونُ عليك. كما يقول مثل القدماء، من الأشرار يَخرُجُ شرٌ. ولكن يدي لا تكون عليك.’’ (1صم 1:24-13)
‘‘فلما فرغ داود من التكلم بهذا الكلام إلى شاول، قال شاول: أهذا صوتك يا ابني داود؟ ورفع شاول صوته، وبكى. ثم قال لداود: أنت أبرُّ مني، لأنك جازيتني خيراً، وأنا جازيتك شراً. وقد أظهرت اليوم، أنك عملتَ بي خيراً، لأنَّ الرَّبَّ قد دفعني بيدك، ولم تقتلني. فإذا وجد رجلٌ عدوه، فهل يطلقه في طريقِ خيرٍ؟ فالرَّبُّ يجازيك خيراً عما فعلته لي اليوم هذا.’’ (1صم 16:24-20)

وبعد ذلك، عاد شاول إلى بيته. ولكن، لم يمر وقت طويل قبل أن بدأت الغيرة تستحوذ على قلبه مرة أخرى، وتدفعه للرجوع إلى البرية، ليستأنف بحثه عن داود. وظل شاول يفعل ذلك لمدة ثماني سنوات؛ وكل ذلك كان بدافع الغيرة! ومع ذلك، كان الله في كل مرة، ينقذ داود من يد شاول. وفي النهاية، حصد شاول الشر الذي زرعه. استمعوا معي لما يقوله الأصحاح الحادي والثلاثين.

يقول الكتاب:
‘‘وحارب الفلسطينيُّون إسرائيل، فهرب رجال إسرائيل من أمام الفلسطينيّين، وسقطوا قتلى في جبل جلبوع. فشد الفلسطينيون وراء شاول وبنيه، وضرب الفلسطينيون يوناثان وأبينادب وملكيشوع، أبناء شاول. واشتدت الحرب على شاول، فأصابه الرماة رجال القسيِّ، فانجرح جداً من الرماة. فقال شاول لحامل سلاحه: استل سيفك واطعنّي به، لئلا يأتي هؤلاءِ الغُلفُ، ويطعنوني ويُقبِّحوني. فلم يشأ حامل سلاحه، لأنه خاف جداً. فأخذ شاول السيف، وسقط عليه.’’ (1صم 1:31-4)

وفي هذا اليوم، مات شاول وأبناؤه الثلاثة. وهكذا، فنى كل نسل شاول، تماماً كما قال الله أنه سيكون. وفي الاصحاحات التالية، يروي لنا الكتاب كيف سلَّم الله مملكة إسرائيل لداود.

وكان داود ملكاً عادلاً، أحب البر، وأبغض الإثم. أحب داود الرب الإله من كل قلبه. واحتلَّت كلمة الله ومجده المكانة الأولى في أفكاره. ومن ثم، فعندما بدأ داود ملكه على إسرائيل، كان أول شيء أراد أن يفعله، هو أن يُحضِر خيمة الاجتماع وتابوت العهد إلى أورشليم. وكانت أورشليم قد أصبحت عاصمة إسرائيل؛ الأمر الذي لأجله، أراد داود أن يقيم خيمة الاجتماع ومذبح الذبيحة هناك.

وبعد ما نقل داود خيمة الاجتماع إلى أورشليم، يروي لنا الكتاب، كيف خطَّط داود لبناء هيكل جميل إكراماً لاسم الرب. أراد داود أن يبني هيكلاً، ليُوضَع فيه تابوت العهد، وليقدِّم فيه الخطاة ذبائحهم لله لغفران خطاياهم. إلا ان الله أخبر داود، أنه ليس هو الإنسان الذي سيبني له البيت، ولكن الله هو الذي سيبني لداود بيتاً، أي ذريةً أو نسلاً، يثبت إلى الأبد. إذ قال الله له:
‘‘متى كَمُلت أيامك، واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرُجُ من أحشائك، وأُثبِّت مملكتَهُ. هو يبني بيتاً لاسمي، وأنا أثبِّتُ كرسيَّ مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أباً، وهو يكون ليَ ابناً. ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك. كرسيُّك يكون ثابتاً إلى الأبد.’’ (2صم 12:7-14،16)

هل تفهمون العهد الذي أسسه الله مع الملك داود في ذلك اليوم؟ لقد كان وعداً عظيماً يفوق إدراك البشر! فلقد وعد الله داود قائلاً:
‘‘ويأمن (أي يثبت) بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك. كرسيُّك يكون ثابتاً إلى الأبد.’’

ماذا؟ كيف يمكن لمملكة داود أن تثبت إلى الأبد؟ كيف يمكن أن يكون هذا؟ وكيف يمكن لداود، الذي هو مجرد بشر، أن يكون له مُلْكاً يدوم إلى الأبد؟
هذه هي الإجابة: لقد وعد الله داود أن واحداً من نسله سيؤسس مُلْكاً أبدياً. رجل، يأتي من نسل عائلة داود الملكية، ويُعطَى سلطاناً أن يملك في السماء وفي الأرض إلى الأبد. وسيُدعَى ملك الملوك، ورب الأرباب، ورئيس السلام. وبعد زمن داود بمئات من السنين، ونحو سبعمئة سنة قبل ميلاد ملك الملوك هذا، كتب إشعياء النبي هذه الكلمات، قائلاً:
‘‘لأنه يولد لنا ولدٌ، ونُعطى ابناً، وتكون الرياسةُ على كتفهِ، ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبديَّاً، رئيس السلام. لِنموِّ رياسته وللسلام لا نهاية على كُرسيِّ داود وعلى مملكته، ليُثَبِتَّها ويعضدها بالحقِّ والبرِّ، من الآن وإلى الأبد.’’ (أش 6:9-7)

هل تعلمون من هو الذي من نسل داود، وأُعطِيَ سلطاناً أن يؤسس مُلْكاً أبدياً؟ هل تعلمون من هو الذي سيدين نسل آدم في يوم الدينونة، ويملك إلى الأبد؟ نعم، إنه الفادي المخلِّص، الملك من السماء، الذي وُلِد من عذراء، عذراء من نسل داود. وفيما يختص بهذا الملك، يقول الكتاب: ‘‘لذلك رفعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كلِّ اسمٍ.’’ (في 9:2)

وعندما أدرك داود خطة الله في إرسال الفادي المخلِّص من نسله، ركع داود، وسبح الله قائلاً:
‘‘من أنا يا سيِّدي الرَّبَّ، وما هو بيتي، حتى أوصلتني إلى ههنا. وقَلَّ هذا أيضاً في عينيك يا سيدي الرَّبَّ، فتكلمت أيضاً من جهةِ بيت عبدك إلى زمانٍ طويلٍ. وهذه عادةُ الإنسان يا سيدي الرَّبَّ. لذلك قد عَظُمتَ أيها الرَّبُّ الإله، لأنه ليس مثلك، وليس إلهٌ غيرك حسب كلِّ ما سمعناه بآذاننا. والآن يا سيدي الرَّبَّ، أنت هو الله، وكلامك هو حقٌ، وقد كلمت عبدك بهذا الخبر. فالآن ارتضِ وبارك بيت عبدك، ليكون إلى الأبد أمامك، لأنك انت يا سيِّدي الرَّبَّ، قد تكلمت، فلْيبَارَك بيت عبدكَ ببركتِك إلى الأبد.’’ (2صم 18:7 ،19 ،22 ،28 ،29)

وهكذا شكر داود الرب على وعده بشأن ‘‘المَلِك’’ الذي سيأتي من نسله.
وأنتم، يا من تعرفون الكتب المقدسة، تعلمون أن الله قد تمَّم بالفعل جزءً من وعده. لأننا نقرأ في الإنجيل، أنه بعد زمن داود بنحو ألف عام، أرسل الله ملاكه إلى رعاة يرعون غنمهم في نفس تلال بيت لحم، التي كان يرعى فيها داود غنم أبيه. وقال ملاك الرب للرعاة: ‘‘.. لا تخافوا. فها أنا أبشِّركم بفرحٍ عظيمٍ، يكون لجميع الشَّعب. أنَّه ولد لكم اليوم، في مدينة داود، مخلصٌ هو المسيح الرب.’’ (لو 10:2-11)

نعم، لقد وُلِد ‘‘الملك’’ الذي وعد الله به، أن يأتي من نسل داود. فهو الآن قد رجع إلى السماء، منتظراً ذلك اليوم الرهيب المجيد، الذي فيه يأتي ثانيةً ليدين العالم بالبر. في ذلك اليوم، سيعلم الجميع أن الوعد الذي وعد به الله داود بشأن المَلِك الأبدي، هو وعد حقيقي. في ذلك اليوم، سيُقال: ‘‘قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه، فسيملك إلى أبد الآبدين.’’ (رو 15:11)

أعزائي المستمعين ..
دعونا نتوقف هنا اليوم. ونشكركم على كريم إصغائكم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنكمل معاً قصة داود الملك، ونسمع عن حدث تَقشَعِر له الأبدان.
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في هذه الآية من الكتاب، إذ يقول:
‘‘يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! .. لأن منه وبه وله كلَ الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين.’’ (رو 33:11 ،36)
ــــــــــ
 

 الدرس التاسع والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية