41
شعب إسرائيل .. وعدم إيمانه

عدد 13،14

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

نستمر اليوم في استكشاف التوراة. فالتوراة، كما تعلمون، هي أول جزء في كتابات الأنبياء، وهي تحتوي على خمسة أسفار. في الكتاب الأول، ويسمى ‘‘التكوين’’، تعلمنا كيف دخلت الخطية العالم، مُحضِرةً معها الألم والموت والدينونة. ومع ذلك، رأينا كيف رتب الله خطة ليُخلِّص بها آدم ونسله من عقوبة الخطية، التي هي نار جهنم الأبدية. وتعلمنا كيف وعد الله بإرسال مخلِّص، ليموت من أجل الخطاة، كيما يغفر الله لهم ذنوبهم، دون المساس بعدله وبره. وعلَّمنا أيضاً سفر التكوين، كيف اختار الله إبراهيم، ووعده بأن يجعل منه أمةً عظيمة، الأمة التي يأتي منها الأنبياء، ثم يأتي منها في النهاية، مخلِّص العالم.

وفي السفر الثاني من التوراة، الذي هو سفر ‘‘الخروج’’، رأينا كيف خلَّص الله نسل إبراهيم، الذي هو شعب إسرائيل، من قيود العبودية في أرض مصر، على يد موسى نبيه. لقد قاد الله أسباط إسرائيل، وأخرجهم من مصر إلى البرية، وأحضرهم إلى جبل سيناء حيث أعطاهم الوصايا العشر، وعلمهم طريقة ذبيحة الدم، التي بها يمكنه أن يغفر لهم خطاياهم.

وفي الحلقة السابقة، رأينا كيف أمر الله موسى والشعب أن يبنوا له خيمة الإجتماع الجميلة والمدهشة، كيما يسكن في وسطهم. وبمجرد ما كمل بناء الخيمة ‘‘غطت السحابة خيمة الاجتماع، وملأ بهاء الرب المسكن.’’ (خر 34:40) كان الرب يوضح لشعب إسرائيل أنه يريد أن تكون له علاقة رائعة معهم، إلا أن لا أحد يمكنه أن يقترب منه إلا عن طريق دم الذبيحة التي تقدَّم على مذبح خيمة الاجتماع. لقد كانت خيمة الاجتماع بذبائحها الحيوانية مجرد ظلال وتصوير للمخلِّص الذي كان سيأتي من السماء، ويسكن على الأرض، ويسفك دمه كذبيحة لغفران الخطايا.

وفي الجزء الثالث من التوراة الذي يسمى ‘‘اللاويين’’ (أي نواميس سبط لاوي)، أوحى الله إلى موسى أن يكتب الناموس الذي يشرح بالتفصيل كيف ينبغي لشعب إسرائيل تقديم الذبائح إلى الله للتكفير عن الخطايا. إن هذا السفر إنما هو سفرٌ عميقٌ جداً. وليس لدينا الوقت للنظر في كل ما يحتويه. فإذا درسته دراسة شخصية، فسوف تلاحظ كلمتين يتكرر ظهورهما نحو مئتي مرة. هاتان الكلمتان يلخصان رسالة السفر كله. وهاتان الكلمتان هما ‘‘قدوس’’ و‘‘دم’’. فلماذا تظهر هاتان الكلمتان بهذا التكرار في هذا السفر؟ ذلك، لأن واحدةً من أهم الرسائل التي ينبغي للمرء أن يفهمها ويستوعبها هي أن ‘‘الله قدوس’’، وأن ‘‘بدون سفك دم لا تحصل مغفرة’’. (عب 22:9) فقد كانت قيمة السفر الثالث من التوراة هي تعليم شعب إسرائيل كيف يستطيع الخاطئ المنجس بالخطية أن يقترب إلى الله، الذي هو قدوسٌ وطاهر. لقد بيَّن الله بكل وضوح أن لا أحد يستطيع أن يقترب إليه إلا بدم ذبيحة، أي الذبيحة التي كانت تشير وترمز إلى المخلِّص القدوس الذي سيأتي إلى العالم، ويموت عن الخطاة، ليدفع دين خطيتهم.

وفي الوقت المتبقي لنا اليوم، دعونا ننتقل إلى الجزء الرابع من توراة موسى، الذي هو سفر ‘‘العدد’’. وفي هذا السفر، نقرأ كيف عاش شعب إسرائيل عند أسفل جبل سيناء لمدة سنة. وفي أثناء هذه السنة، علمهم الله أشياءَ كثيرة، وأوحى إلى موسى ليكتب الكثير من التوراة المقدسة التي نقرأها اليوم.

إلا أن الله لم يقصد أن يعيش شعب إسرائيل في البرية إلى الأبد. ولهذا، وجههم الله في يوم أن ينهضوا ويخرجوا ويستمروا في ارتحالهم نحو الأرض المليئة بالخير التي كان قد وعدهم بها، أرض كنعان. ويخبرنا الكتاب، أن في اليوم الذي كان عليهم أن يغادروا فيه سيناء، كانت سحابة مجد الله التي تغطي خيمة الاجتماع، ترتفع وتبدأ في التحرك أمامهم. كان الرب نفسه يقودهم في سحابة أثناء النهار لترشدهم الطريق، وفي عمود من النار أثناء الليل كله.

وهكذا، تبع شعب إسرائيل السحابة أثناء النهار، وعمود النار أثناء الليل، حتى وصلوا إلى حدود كنعان، الأرض التي وعد الله بها إبراهيم ونسله منذ زمن بعيد. إن الله لم ينسَ وعوده. فبسبب أمانة الله وقوته، وصل الشعب إلى حدود أرض كنعان، تلك التي ندعوها اليوم ‘‘فلسطين’’ أو ‘‘إسرائيل’’.

إلا أن كنعان كانت مليئة بالسكان. وكان أهل كنعان كثيرين في العدد، وأقوياء. فكيف إذن يمكن لشعب إسرائيل أن يتملكوها؟ كان هناك طريقةٌ واحدة: هي أن يعطيهم الله الأرض. فليس هناك ما يعسر على الله. لقد وعد الله إبراهيم قائلاً: ‘‘سأعطي أرض كنعان لنسلك!’’ وهكذا، خطط الله أن يبيد أهل كنعان، ويعطي الأرض لنسل إبراهيم، أي شعب إسرائيل. ومن المهم أن نفهم أن خطية أهل كنعان كانت عظيمة جداً. لقد كانوا مذنبين بالفسق والفجور، إلى حد تقديم أطفالهم كذبائحَ لآلهتهم الزائفة. كان الله صبوراً جداً مع أهل كنعان، ولكنهم استمروا في رغباتهم المخجلة وطرقهم الخاطئة. ولهذا، خطط الله أن يعطي أرضهم لأسباط إسرائيل.

دعونا إذن، نقرأ في الجزء الرابع من التوراة، لنرَ ما حدث عندما وصل شعب إسرائيل عند حدود أرض كنعان. يقول الكتاب في الأصحاح الثالث عشر:
‘‘ثم كلم الرب موسى قائلاً: أرسل رجالاً ليتجسسوا أرض كنعان التي أنا معطيها لبني إسرائيل. رجلاً واحداً لكل سبطٍ من آبائه، ترسلون. كل واحدٍ رئيس فيهم. فأرسلهم موسى من برية فاران حسب قول الرب .. فصعدوا وتجسسوا الأرض.’’ (عد 1:13-3،21)
‘‘ثم رجعوا من تجسس الأرض بعد أربعين يوماً. فساروا حتى أتوا إلى موسى وهرون وكل جماعة بني إسرائيل إلى برية فاران إلى قادش، وردَّوا إليهما خبراً وإلى كل الجماعةِ، وأروهم ثمر الأرض. واخبروه وقالوا: قد ذهبنا إلى الأرض التي أرسلتنا إليها، وحقاً إنها تفيض لبناً وعسلاً، وهذا ثمرها. غير أن الشعب الساكن في الأرض معتزٌ، والمدن حصينةٌ عظيمةٌ جداً.’’ (عد 25:13-28)
‘‘لكن كالبَ أنصت الشعب إلى موسى وقال: إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها. وأما الرجال الذين صعدوا معه فقالوا: لانقدر أن نصعد إلى الشعب، لأنهم أشدُّ منا. فأشاعوا مذمَّة الأرض التي تجسسوها في بني إسرائيل قائلين: الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها هي أرضٌ تأكل سكانها. وجميع الشعب الذي رأينا فيها، أناسٌ طوال القامةِ. وقد رأينا هناك الجبابرة .. فكنا في أعيننا كالجراد، وهكذا كنا في أعينهم.’’ (عد 30:13-33)
‘‘فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب تلك الليلة. وتذمر على موسى وعلى هرون جميعُ بني إسرائيل، وقال لهما كل الجماعةِ: ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر. ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف. تصير نساؤنا واطفالُنا غنيمةً. أليس خيراً لنا أن نرجع إلى مصر؟ فقال بعضهم لبعضٍ: نقيم رئيساً، ونرجع إلى مصر. فسقط موسى وهرون على وجهيهما أمام كلِّ معشر جماعة بني إسرائيل. ويشوع بن نون وكالب بن يَفُنَّةَ، من الذين تجسسوا الأرض، مَزَّقا ثيابهما، وكلما كل جماعة بني إسرائيل قائلين: الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها، الأرض جيّدةٌ جدأً جداً. إن سُرَّ بنا الرَّبُ، يدخلنا إلى هذه الأرض، ويعطينا إياها أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. إنما لاتتمردوا على الرب، ولا تخافوا من شعب الأرض، لأنهم خُبزُنا. قد زال عنهم ظلُّمهم، والرب معنا. لاتخافوهم.
‘‘ولكن قال كل الجماعة أن يُرجَماَ بالحجارة. ثمَّ ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل. وقال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب؟ وحتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم؟’’ (عد 1:14-11)

دعونا نتوقف هنا. هل ترون كيف تعدت إسرائيل على الله وأهانته؟ هل ترون عدم إيمانهم؟ هل تلاحظون كيف يتهمون الله بأنه رجع عن كلمته؟ نعم؛ في هذا اليوم، أخطأ شعب إسرائيل خطية عظيمة، لأنهم لم يصدقوا وعد الله، أنه سيعطيهم أرض كنعان. لم يصدقوا ما وعد به الله إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، ويوسف، وموسى. كانوا مثل الكثيرين اليوم الذين يقولون: ‘‘نحن نؤمن بالله والأنبياء!’’ إلا أنهم لا يؤمنون بالله حقاً، ولا يؤمنون بالأنبياء، لأنهم لا يؤمنون بما وعد الله به من خلال أنبيائه والكتب المقدسة! إن عدم الإيمان هو خطية كبيرة أمام الله.

يكفينا ما قيل، ودعونا نكمل القصة. يقول الكتاب بعد ذلك:
‘‘وكلم الرب موسى وهرون قائلاً: حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ؟ قد سمعت تذمر بني إسرائيل الذي يتذمرونه عليَّ. قل لهم: حَيٌّ أنا يقول الرب، لأفعلنَّ بكم كما تكلمتم في أُذُنيَّ. في هذا القفر تسقط جثثكم، جميع المعدودين منكم حسب عددكم من ابن عشرين سنةً فصاعداً، الذين تذمروا عليَّ. لن تدخلوا الأرض التي رفعت يدي لأُسكِننَّكُم فيها، ما عدا كالب بن يَفُنَّةَ ويشوع بن نونٍ. وأما أطفالكم الذين قلتم يكونون غنيمةً، فإني سأدخلهم، فيعرفون الأرض التي احتقرتموها. فجثثكم أنتم تسقط في هذا القفر .. أنا الرب قد تكلمت، لأفعلنَّ هذا بكل هذه الجماعةِ الشريرةِ المتفقةِ عليَّ. (عد 26:4-32 ،35)
‘‘أما الرجال الذين أرسلهم موسى ليتجسسوا الأرض ورجعوا وسجسَّوا عليه كل الجماعة بإشاعة المذمة على الأرض، فمات الرجال الذين أشاعوا المذمةَ الرديئةَ على الأرض بالوبأ أمام الرب. وأما يشوع .. وكالب .. من أولئك الرجال الذين ذهبوا ليتجسسوا الأرض فعاشا.’’ (عد 36:14-38)

وهكذا، نرى كيف رفض شعب إسرائيل أن يصدقوا الله، حتى بالرغم من أنه خلصهم من أرض فرعون، وجاء بهم إلى حدود أرض كنعان. فما الذي فعله الله بهؤلاء الذين لم يصدقوا كلمته؟ لقد أدانهم وحكم عليهم أن يموتوا في البرية! ولماذا لم يدخل هذا الجيل من شعب إسرائيل أرض كنعان؟ ذلك، لأنهم لم يصدقوا كلمة الله!

أصدقائي المستمعين ..
إن رفض تصديق كلمة الله هو لمأساة رهيبة. والله لابد أن يعاقب كل من يرفض أن يصدقه! كل من يحتقر ما يقوله الله في كلمته المقدسة، ويعامله بلا مبالاة، إنما يدعو الله كاذباً، ولن يستطيع أن يكون له نصيب في ملكوت الله الأبدي. إنها ليست إرادة الله أن يهلك أحد في عدم إيمانه. إن الله يريد أن يصدق الجميع الخبر السار الذي يخبِّر بطريق الخلاص الذي أسسه الله. إلا أن كل شخص ينبغي أن يقرر لنفسه. فكل من يرفض أن يصدق كلمة الله، سيهلك. استمعوا إلى هذا التحذير الذي يوجهه لنا روح قدس الله من خلال كتب الأنبياء:
‘‘اليوم إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم، كما في الإسخاط يوم التجربة في القفر .. انظروا أيها الأخوة أن يكون في أحدكم قلبٌ شرّيرٌ بعدم إيمانٍ في الارتداد عن الله الحي.’’ (عب 7:3-8 ،12؛ مز 7:95-11)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن استماعكم. في حلقتنا القادمة بإذن الله، سنرى كيف هلك في البرية، كل هؤلاء الذين رفضوا أن يصدقوا الله، تماماً كما تعهَّد الله. فليبارككم الله إذ تستمعون لهذا التحذير من الكتاب المقدس:
‘‘انظروا أيها الأخوة أن يكون في أحدكم قلبٌ شرّيرٌ بعدم إيمانٍ في الارتداد عن الله الحي.’’ (عب 12:3)

ــــــــــــــــ
 

 الدرس الثاني والأربعون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية