33
حمـل الفصـح
 

خروج 11، 12

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

رأينا في حلقتنا السابقة، كيف حاول فرعون أن يقاوم الله. فلقد كان الله مزمعاً أن يخلص بني إسرائيل الذين كانوا عبيداً في مصر، لكن ملك مصر كان مصمماً أن يبقيهم كعبيد له. إلا أن البيضة، كما قلنا، ينبغي ألا تصارع الصخرة. ومن ثم، رأينا كيف جلب الله تسع ضربات شديدة على أرض مصر وشعبها، بكلمة من موسى وهرون. إلا أن كل تلك الآيات والمعجزات لم تجعل فرعون يخضع لكلمة الله، ويطلق شعب إسرائيل من أرضه.

ونريد اليوم، أن نستكمل القصة، ونرى كيف جلب الله على فرعون الضربة العاشرة والأخيرة، حتى يسمح فرعون بإطلاق شعب إسرئيل من أرض مصر. وفي حلقتنا السابقة، سمعنا فرعون يقول لموسى وهرون بعد الضربة التاسعة: ‘‘اذهب عني. احترز. لاترَ وجهي أيضاً. إتك يوم ترى وجهي تموت.’’ (خر28:10) والآن، دعونا نقرأ في الأصحاح الحادي عشر، ونرى كيف أجاب الله بنفسه على فرعون على فم موسى قائلاً:
‘‘هكذا يقول الرب: إني نحو نصف الليل، أخرج في وسط مصر. فيموتُ كلُّ بكرٍ في أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى، وكل بكر بهيمةٍ. ويكون صراخٌ عظيمٌ في كل أرض مصر، لم يكن مثله ولايكون مثله أيضاً. ولكن جميع بني إسرائيل لا يُسَنِّنُ كلبٌ لسانه عليهم، لا إلى الناس ولا إلى البهائم. لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل. فينزل إلىَّ جميع عبيدك هؤلاء، ويسجدون لي قائلين: ‘اخرج أنت وجميع الشعب الذين في أثرك’. بعد ذلك أخرج. ثم خرج من لدن فرعون في حُمُوِّ الغضب.’’ (خر4:11-8)

وهكذا، نرى كيف خطط الله أن يجلب ضربة على أرض مصر، تكون أسوأ من كل الضربات التي مضت. وأعلن الله الموت الموشك أن يحدث لكل بكر في أرض مصر. ويا لها من ضربة فظيعة! ولكن، ماذا سيحدث لكل بكر في شعب إسرائيل؟ هل سيموتون مع أبكار المصريين؟ فمن المؤكد أنهم يستحقون دينونة الله بالتساوي، لأنهم ايضاً خطاة، تماماً مثل المصريين. إلا أن الله الذي هو أمين ورحيم، وضع خطةً لينقذ شعب إسرئيل من هذه الضربة.

دعونا نستكمل قراءتنا في الأصحاح الثاني عشر، ونسمع التعليمات التي أعطاها الله لموسى ليعطيها بدوره لشعب إسرئيل، حتى لا تتعرض أبكارهم للموت. تقول كلمة الله:
‘‘وكلم الرب موسى وهرون في أرض مصر قائلاً: كلما كل جماعة إسرائيل قائلين: في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحدٍ شاةً بحسب بيوت الآباء، شاةً للبيت. وإن كان البيت صغيراً عن أن يكون كفواً لشاةٍ، يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس. كل واحدٍ على حسب أكله تحسبون للشاة، تكون لكم شاة صحيحة ذكراً ابن سنة. تأخذونه من الخرفان أو من المواعز. ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كله جمهور جماعة إسرائيل في العشية، ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشوياً بالنار مع فطير. على أعشاب مرة يأكلونه. لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً مطبوخاً بالماء بل مشوياً بالنار. رأسه مع أكارعه وجوفه. .. في بيتٍ واحدٍ يؤكل. لا تخرج من اللحم من البيت خارجاً، وعظماً لا تكسروا منه.’’ (خر 1:12-9،46)
‘‘وهكذا تأكلونه أحقاؤكم مشدودة، وأحذيتُكم في أرجلكم، وعصيُّكم في أيديكم. وتأكلونه بعجلة. هو فصحٌ للرب. فإني أجتاز في أرض مصر في هذه الليلة، وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم. وأصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين. أنا الرب. ويكون لكم الدم علامةً على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر.’’ (خر 11:12-13)


دعونا نتوقف هنا للحظة!
هل رأيتم الخطة التي أمر بها الله ليفدي بها حياة أبكار شعب إسرائيل من الموت، ويخلص كل شعب إسرائيل من نير عبوديتهم في مصر؟ لقد كانت خطة عجيبة؛ خطة يعتبرها أي إنسان خطة مضحكة. لقد قصد أن يفديهم بدم حمل؛ دم حمل بلا عيب. دم، يغطون به القائمتين والعتبة العليا لأبواب بيوتهم. إن دم الحمل هو فقط الذي يمكن به أن يفدوا حياة أبكارهم.

وبعد أن أكمل الله كلامه لموسى وهرون، جمعوا كل شيوخ إسرائيل، وأخبروهم بكل ما قاله الرب فيما يخص ذبيحة الحمل. وعندما سمع شيوخ إسرائيل كيف دبر الله فداء أبكارهم من ضربة الموت، خر جميعهم وسجدوا للرب. وبعد ذلك، فعل الشيوخ وكل شعب إسرائيل، تماماً كما أمر الرب موسى. وتقول كلمة الله:
‘‘فحدث في نصف الليل، أن الرب ضرب كل بكر في أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن، وكل بكر بهيمة. فقام فرعون ليلاً، هو وكل عبيده، وجميع المصريين. وكان صراخٌ عظيم في مصر؛ لأنه لم يكن بيت ليس فيه مَيْتٌ.’’ (خر 29:12-30)

هل سمعتم ما حدث في هذه الليلة المخيفة؟ هل أدان الله أرض مصر كما قال؟ نعم، فعل. ففي منتصف الليل، اجتاز ملاك الموت في كل أرض مصر، وضرب كل بكر فيها، ابتداءً من بكر فرعون، وحتى بكر الأسير الذي في السجن، وكل بكر بهيمة. وفي هذه الليلة، كان صراخ عظيم في مصر، لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت.

ولكن، ماذا حدث في بيوت شعب إسرائيل؟ هل خلَّص الرب أبكارهم من ضربة الموت؟ ماذا تظن .. عزيزي المستمع؟ نعم، لقد وعدهم الله قائلاً: ‘‘وعندما أرى الدم، أعبر عنكم.’’ ومن ثمَّ، راح شعب إسرائيل يغطون أبواب بيوتهم بدم الحمل، تماماً كما أمر الرب. وهكذا، لم يكن هناك حالة وفاة واحدة لأي بكر. ولكن في بيوت المصريين، مات كل بكر لهم، لأنهم لم يشتركوا في طريقة الله التي وضعها للخلاص .. ‘‘طريقة دم الحمل’’.

تقول كلمة الله:
‘‘فدعا فرعون موسى وهرون ليلاً، وقال: قوموا اخرجوا من بين شعبي، أنتما وبني إسرائيل. واذهبوا واعبدوا الرب كما تكلمتم .. وباركوني أيضاً. وألح المصريون على الشعب لينطلقوا عاجلاً من الأرض؛ لأنهم قالوا: جميعنا أموات.’’ (خر 31:12-33)
وفي النهاية، لم يكن أمام فرعون أي اختيار عدا أن يطلق شعب إسرائيل. وقد رأينا كيف قال فرعون لموسى وهرون في بادئ الأمر: ‘‘من هو الرب حتى أسمع لقوله، فأطلق إسرائيل. لا أعرف الرب، وإسرئيل لا أطلقه.’’ (خر 2:5) ولكن، في النهاية، أجبر فرعون وكل المصريين أن يعترفوا أن إله إبراهيم وإسحق وإسرائيل، هو الله الكلي القدرة، وهو أقوى من أوثانهم وساحريهم وعرافيهم. وأن البيضة لا تستطيع أن تصارع الصخرة! ولا أحد يستطيع أن يصارع الله، ويغلب.

وفي تلك الليلة، خرج شعب إسرائيل من مصر بثروة كبيرة، أعطاها لهم المصريون. إذ تقول كلمة الله:
‘‘وفعل بنو إسرئيل بحسب قول موسى. وطلبوا من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب، وثياباً، وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين حتى أعاروهم، فسلبوا المصريين .. وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر، فكانت أربعمئة وثلاثين سنة.’’ (خر 35:12-36،40)

وكل هذا حدث، كيما يتحقق وعد الله لإبراهيم الذي تمكن له منذ مئات من السنين، عندما قال له الله: ‘‘اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرض ليست لهم، ويُستَعبدون لهم. فيذلونهم أربعمئة سنة. ثم الأمة التي يُستَعبدون لها، أنا أدينها، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة.’’(تك 13:15 ،14)

والقصة التي رأيناها اليوم، والتي تعرف بالفصح، هي مثل محيط عميق مليء بالكنوز المدفونة. إن لدينا الكثير الذي نستطيع أن نقوله عن قصة الفصح. ومن الواضح، أنه ليس لدينا وقت كافٍ لنشرح فيه كل الحقائق المتضمنة في القصة. ومع ذلك، يوجد هناك حقيقة هامة يجب أن نحفظها في أذهاننا. وهذه الحقيقة هي وعد الله لشعب إسرائيل، عندما قال: ‘‘وأرى الدم، وأعبر عنكم’’.


ولكن، لماذا لم يمت أبكار إسرائيل مع أبكار المصريين؟
إنهم لم يموتوا لأن الله فتح لهم طريقاً للخلاص عن طريق دم الحمل. لقد أمر الرب بأن يُحفَظ من الموت بكرُ كل بيت، غُطِّيَت أبوابه بدم الحمل. ولكن كل بكر وُجِد في بيتٍ لم يُغطَّ بابه بالدم، مات.

فإن سأل شاب من أبكار إسرائيل أباه قائلاً: ‘‘لماذا يا أبي يجب أن يموت حملنا البريء؟’’ سيجيب الأب قائلاً مثلاً: ‘‘إن الله يا بني، أدان كل بكر في الأرض. فبسبب خطايانا، نستحق دينونة الله. إلا أن الله في رحمته، أخبرنا أنه إن قدمنا له ذبيحة حمل بلا عيب، وغطينا أبواب بيوتنا بدم هذا الحمل، فلن تمسنا ضربة الموت. فالحمل لابد وأن يموت لأن أجرة الخطية هي موت. فالله بار، ولا يمكنه أن يتغاضى عن خطايانا. فالحمل سيكون بديلاً عنك. فنقدمه ذبيحة بدلاً منك، كما قدم جدنا إبراهيم جدياً ذبيحة بدلاً من ابنه. إن إلهنا بار، ولا يستخفٌّ بالخطية. وكلمته لنا واضحة. إنه سيعبر عن البيت، إذا كان الدم يغطي إطار الباب’’.

أصدقائي المستمعين ..
ما نحتاج أن نتحقق منه اليوم، هو أن أبناء آدم هم جميعهم أمام الله، مثل أبكار المصريين وأبكار شعب إسرائيل. إن ناموس الله المقدس يحكم على كل إنسان بالموت، ومواجهة دينونة الله البارة. ولهذا تقول كلمة الله: ‘‘لأنه لافرق، إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله.’’ (رو 22:3-23) فإن أجرة خطيتهم هي دينونة أبدية،‘‘معاقبين بهلاك أبدي، مطروحين بعيداً من وجه الرب، ومن مجد قوته’’ (2تس 9:1)

فماذا إذن يجب علينا أن نفعله لكي نخلص؟ كيف يمكن أن يخلِّص الله الخطاة دون المساس ببره وعدله؟
لن نستطيع أن نسترسل في هذا الموضوع اليوم، ولكن هذا ما يجب علينا أن نعرفه: إن الحملان التي ذبحها شعب إسرائيل لتجنب ضربة الموت، هي ترمز إلى الفادي الذي سيأتي ويسكب دمه، ليدفع دين الخطية لكل نسل آدم. ومن جهة هذا الفادي، تقول كلمة الله: ‘‘فإن المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله، مماتاً في الجسد. .. لأن المسيح فصحنا قد ذبح لأجلنا’’ (1بط 18:3؛ 1كو 7:5) وهكذا، فإن دم الحمل الذي غطَّى به الإسرائيليين أبواب بيوتهم، كان رمزاً. فلقد صور هذا الدم، الدم الذي سيسفكه مخلص العالم على الصليب، كيما ينجو كل من يؤمن به من دينونة الله الأبدية.

فماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
هل تعرف ما كتبه الأنبياء فيما يخص دم الفادي؟ لقد سفك الفادي دمه كيما يغفر الله خطاياك دون المساس ببره وعدله. هل تؤمن بما كتب بشأن الدم الذي له القوة أن يخلِّصك من عقاب الجحيم، ويضمن لك مكاناً في محضر الله إلى الأبد؟ في يوم الدينونة، هل سيعبر عنك الله بدينونته الرهيبة؟ أم أنها ستقع عليك كما وقعت على المصريين؟

أعزائي المستمعين ..
لقد انتهى وقتنا اليوم. نشكركم لكريم إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة بإذن الله، سنكمل قصة بني إسرائيل، ونرى كيف فتح الله لهم طريقاً في وسط البحر.

وليبارككم الله، ويكشف لقلوبكم المعاني العميقة لكلمته التي قالها لشعب إسرائيل:
‘‘فأرى الدم، وأعبر عنكم’’ (خر 13:12)

ــــــــــــ
 

 الدرس الرابع والثلاثون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية