23

عيسـو ويعقـوب

الزمني والأبدي

تكوين 25


أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

درسنا في حلقتنا السابقة قصة ذبيحة إبراهيم (التي هي قصة عيد الأضحى). ويعطينا الإنجيل تلخيصاً ممتعاً لهذه القصة الهامة عندما يقول:
‘‘بالإيمان قدَّم إبراهيم إسحق وهو مجرَّبٌ. قدَّم الذي قبل المواعيد وحيده، الذي قيل له إنه بإسحق يُدعى لك نسلٌ. إذ حسب أن الله قادرٌ على الإقامة من الأموات أيضاً، الذين منهم أخذه أيضاً في مثالٍ.’’ (عب17:11-19)

اشتملت الحلقات الخمس السابقة على قصص من حياة النبي إبراهيم. وهناك قصص أخرى كثيرة في التوراة عن إبراهيم، لم نكتشفها بعد. وللأسف، فليس لدينا الوقت لنقرأ جميع هذه القصص. ولكننا قبل أن نترك قصة إبراهيم ونذهب إلى قصص نسله، يجب أن نعرف شيئاً هاماً قاله الله لإبراهيم. فقد قال له ما سيحدث لنسله. إذ تقول كلمة الله:
‘‘اعلم يقيناً أن نسلك سيكون غريباً في أرضٍ ليست لهم ويُستعبدون لها، وأنا أدينها. وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة.’’ (تك13:15 ،14)

وكان الله يعلن بهذه الكلمات أن نسل إبراهيم سيستعبدون في أرض مصر. إلا أنه وعد أيضاً أنه بعد أربعمائة سنة سوف يحررهم من سيادة شعب مصرعليهم واستعباده لهم. وبعد أربع حلقات من الآن، سنبدأ بإذن الله، في أن نرى كيف تحققت تلك النبوة الدقيقة، تماماً كما قال الله لإبراهيم.

وتقول كلمة الله في الأصحاح الخامس والعشرين:
‘‘وأعطى إبراهيم إسحق كل ما كان له. وهذه أيام سني حيوة إبراهيم التي عاشها. مئة وخمس وسبعون سنة. وأسلم إبراهيم روحه ومات بشيبةٍ صالحة، شيخاٌ وشبعان أياماً، وانضم إلى قومه. ودفنه إسحق وإسمعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عِفرون بن صوحر الحثِّي الذي أمام مَمرَا. الحقل الذي اشتراه إبراهيم من بني حثٍ. هناك دُفِن إبراهيم وسارة امرأته.’’ (تك 5 :25،7-10)

وهكذا دخل إبراهيم، خليل الله، إلى محضر الله الذي عرفه وأحبه.

كيف إذن، يمكننا أن نختم ونلخص دراستنا عن نبي الله إبراهيم؟ ربما يمكننا هذا عن طريق طرح سؤالين، وإجابتهما.
والسؤال الأول هو: لماذا طلب الله من إبراهيم أن يذهب إلى أرض أخرى؟
والإجابة هي: أن الله قد خطط أن يجعل من إبراهيم أمة جديدة يأتي منها المخلِّص إلى العالم.
والسؤال الثاني هو: لماذا حسب الله إبراهيم باراً وقبله في محضره المقدس إلى الأبد.
والإجابة هي: أن إبراهيم آمن بما قاله الله ـ بالرغم من أنه لم يكن شيئاً سهلا ـ فخَلُص إبراهيم بالإيمان بمواعيد الله، ولم يخلص بأعماله. وهذا ما تعلنه كلمة الله عندما تقول: ‘‘فآمن إبراهيم بالله، فحُسب له براً، ودعى خليل الله.’’ (يع 23:2)

وفي الأصحاح الخامس والعشرين، تستمر كلمة الله في سرد تاريخ نسل إبراهيم. دعونا نستمر في قراءة التوراة، ونتعلم قصة إسحق وابنيه التوأمين. فتقول كلمة الله:
‘‘وهذه مواليد إسحق بن إبراهيم. وَلَد إبراهيم إسحق. وكان إسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجةً رفقةَ بنت بتوئيل الأرامي، أخت لابان الأرامي، من فدان أرام. وصلَّى إسحق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقراً. فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته. وتزاحم الولدان في بطنها. فقالت إن كان هكذا، فلماذا أنا. فمضت لتسأل الرب. فقال لها الرب: في بطنك أمتان. ومن أحشائك يفترق شعبان. شعبٌ يقوى على شعبٍ. وكبيرٌ يُستَعبَد لصغيرٍ.
‘‘فلما كَمِلَت أيامها لتلد، إذا في بطنها توأمان. فخرج الأول أحمر. كله فروة شعرٍ. فدعوا اسمه عيسو. وبعد ذلك خرج أخوه ويده قابضةٌ بعقب عيسو، فدُعِيَ اسمه يعقوب. وكان إسحق ابن ستين سنةً لما ولدتهما.
فكبر الغلامان. وكان عيسو إنساناً يعرف الصيد إنسان البرية، ويعقوب إنساناً كاملاً يسكن الخيام.’’ (تك 19:25-24)

وهكذا نرى أنه كان لإسحق ورفقة توأمان، سمياهما عيسو ويعقوب. وهما، وإن كانا تؤأمين، إلا أنهما لم يكنا متشابهين. وعندما كبر عيسو، وجَّه عواطفه تجاه الأشياء العالمية التي هي مؤقته. أما يعقوب، فقدَّر أهمية الأشياء التي لله، والتي تدوم إلى الأبد. فلم يهتم عيسو بوعود الله التي صنعها مع إبراهيم جده، ومع إسحق أبيه، والتي تخص الأمة الجديدة التي سيصنعها الله منهم. أما يعقوب، فاهتم بمواعيد الله.

وكان عيسو هو الإبن الأكبر. وهكذا، فعلى المستوى البشري، كان عيسو هو المستحق أن يرث ميراث الإبن الأكبر، ويصبح أباً للأمة العظيمة، التي وعد بها الله جده إبراهيم وإسحق أبيه. ولكن قبل أن يُولد التوأمان، قال الله لرفقة:
‘‘في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب، وكبير يُستعبَد لصغير.’’ (تك 23:25)
وكان الله يعلن في معرفته السابقة، أن ميراث الابن الأكبر ونسل أمته العظيمة، سيكونان ليعقوب لا لعيسو. أما يعقوب، فكان يجب عليه أن ينتظر الله، ويترك كل الأشياء في يدي ذلك الذي له القوة والقدرة أن يعطيه الميراث الذي عيَّنه له في وقته. ولكن يعقوب لم ينتظر الله.

دعونا نستمر في القراءة، لنرى كيف تصرَّف يعقوب، ليأخذ الميراث من عيسو أخيه الأكبر. تقول كلمة الله:
‘‘وطبخ يعقوب طبيخاً، فأتى عيسو من الحقل وهو قد أعيا. فقال عيسو ليعقوب: أطعمني من هذا الأحمر لأني قد أعييت .. فقال يعقوب: بعني اليوم بكوريتك. فقال عيسو: ها أنا ماضٍ إلى الموت، فلماذا لي بكورية؟ فقال يعقوب: احلف لي اليوم! فحلف له. فباع بكوريته ليعقوب. فأعطى يعقوب عيسو خبزاً وطبيخ عدسٍ. فأكل وشرب وقام ومضى. فاحتقر عيسو البكورية.’’ (تك 29:15-34)

هل تفهم ما الذي صنعه عيسو؟ لقد استبدل ميراثه كالإبن البكر بقليل من الطعام. فتخيل أن هناك رجل غني عنده ابنان. ولدى الرجل حقولٌ وأملاكٌ وثراءٌ ومالٌ كثير. والابن الأكبر هو الذي يجب أن يرث كل هذه الثروة، بحسب عادات المجتمع. ولكن في يوم، يحضر الابن الأكبر، فيرى أخيه الأصغر يطبخ أكلته المفضلة على جانب الطريق.
ثم يقول الابن الأكبر لأخيه: ‘‘أنا سأموت من الجوع. اعطني من هذا الطعام الشهي.’’
فيجيب الأخ الأصغر قائلاً: ‘‘لن أعطيك طعاماً، ولكني سابيعك إياه.’’
ثم يسأل الأخ الأكبر: ‘‘وبكم ستبيعني إياه؟’’
فيجيب الأخ الأصغر: ‘‘الثمن هو بكوريتك، أي حقك في الميراث.’’
فيقول الأخ الأكبر: ‘‘لقد اتفقنا. فإني سأموت من الجوع. فبماذا ستنفعني بكوريتي الآن؟’’
وهكذا، يتعهَّد الابن البكر أن يسلِّم كل ميراثه لأخيه الأصغر. ثم يجلس بعد ذلك، ويأكل ويشرب، ثم يسير في طريقه.

فما الذي يمكنك إذن، أن تقوله على الابن البكر الذي استبدل أرضه، وأملاكه، وثرائه، وسلطته لمجرد طبق من الطعام؟ لا يمكننا أن نقول إلا شيئاً واحداً، ألا وهو أنه أحمق. فمن خلال هذه القصة، نرى أنه مثلما احتقر الابن الأكبر بركة أبيه، وميراثه في الأرض، هكذا احتقر أيضاً عيسو بركات الله وغنى الأبدية. فالشيء الذي أحتقره عيسو كان شيئاً له قيمة مطلقة أكثر من قيمة الغنى الأرضي؛ لأن ذلك الشيء الذي احتقره عيسو هو حقه في أن يكون جزءاً من الأمة الجديدة التي سيأتي منها مخلِّص العالم.

فما هو الشيء الذي يريد الله أن يعلمنا إياه اليوم، من قصة عيسو ويعقوب؟ يريد الله أن يخبرنا أن لا نسلك في خطوات عيسو، ونستبدل الغنى الأبدي بلذات العالم الزائلة. فلنصغي إلى ما تعلنه كلمة الله عن هذا الأمر، إذ تقول:
‘‘ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه.’’ (مت 26:16)
وتقول أيضاً: ‘‘ملاحظين لئلا يخيبَ أحدٌ من نعمة الله .. لئلا يكون أحدٌ زانياً أو مستبيحاً كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريتَه.’’ (عب 15: 12،16)

وهكذا، حُرِم عيسو من نعمة الله، لأنه لم يقدِّر قيمة الأشياء التي تتعلق بالله. ولذا، يوصيك الله قائلاً: ‘‘لا تسلك في خطوات عيسو، ولا تحتقر البركات التي أريد أن أعطيها لك.’’

ولكن، ماذا عنك أنت عزيزي المستمع؟
هل تريد بركات الله؟ إن الله يحبك، ويريد أن يباركك ببركات عظيمة، ولكن يجب أن تعطيه المكانة الأولى في حياتك. فيجب أن تعطي كلمة الله قيمة أكثر من الأكل والمال، ثم بعد ذلك، ستبدأ في فهم ما الذي تعنيه كلمة الله التي تقول:
‘‘ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه’’ (1كو 9:2).
إن الله يريد أن يباركك ببركات عظيمة. فهو يريد أن يغفر كل خطاياك، ويُبدِّل قلبك الشرير، وينقيك، ويملأك بمحبته، وفرحه، وسلامه، ويقينه. وهذه البركات هي مجرد جزءٍ من الميراث الذي يريد الله أن يعطيه لنسل آدم. ولذلك، يجب أن تسعى إلى الأشياء الأبدية بكل قلبك. فمن لا يطلب بركات الله الأبدية بكل قلبه، فلن يحصل عليها.

فهل تريد أن تحصل على بركات الله؟ إن كنت كذلك، فلابد لك أن تفهم ما قد وعد به الله في كلمته. وهل تعرف مواعيده العجيبة والعظيمة التي تفوق فهم البشر؟ وهل تتعلق بها؟ أم أنك مجرد تسعى وراء الأشياء العالمية؟
ترينا كلمة الله أن هناك نوعين من الناس في العالم. فهناك من يُقدِّرون العالم ويسعون وراء الأشياء العالمية، وهناك من يُقدِّرون الأبدية ويسعون وراء ما هو من فوق. فأي نوع من الناس أنت؟ فلنصغِ لما هو مكتوب في المزمور الأول. تقول كلمة الله:
‘‘طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً. فيكون كشجرةٍ مغروسةٍ عند مجاري المياه. التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح. ليس كذلك الأشرار، لكنهم كالعاصفة التي تذرِّيها الريح. لذلك لا تقوم الأشرار في الدين، ولا الخطاة في جماعة الأبرار. لأن الرب يعلم طريق الأبرار، أما طريق الأشرار فتهلك.’’ (مز 1:1-6)


فماذا عنك أنت .. عزيزي المستمع؟
في أي طريقٍ تسلك؟
.. هل تسلك في طريق الذين يحفظون وعود الله؟
.. أم أنك مثل عيسو الذي استبدل وعود الله بأشياء عالمية زائلة؟
تحذرنا كلمة الله قائلة:
‘‘لانه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسَه، أو ماذا يعطي الإنسان فداءً عن نفسه.’’ (مت 26:16)
وتقول أيضاً: ‘‘اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي، للحياة الأبدية التي يعطيكم إياها المخلِّص الفادي.’’ (يو 27:6)
وتقول كلمته أيضاً: ‘‘ملاحظين لئلا يخيب أحدٌ من نعمة الله .. لئلا يكون أحدٌ زانياً أو مستبيحاً كعيسو الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته.’’ (عب 15:12 ،16)

أصدقائي المستمعين ..
إلى هنا نأتي إلى ختام حلقتنا اليوم. وفي الحلقة القادمة بإذن الله، سنكمل قصة يعقوب.
وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في التحذير المتضمن في كلمته القائلة:
‘‘ملاحظين لئلا يخيبَ أحدٌ من نعمة الله .. ولئلا يكونَ أحدٌ زانياً أو مستبيحاً كعيسو، الذي لأجل أكلةٍ واحدةٍ باع بكوريته.’’ (عب 15:12 ،16)

ـــــــــــــــــ
 

 

الدرس الرابع والعشرون | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية