س: مكتوب في سفر المزامير ليتك تقتل الأشرار يا الله. فيا رجال الدماء ابعدوا عني. الذين يكلمونك بالمكر ناطقين بالكذب هم أعداؤك. ألا أبغض مبغضيك يا رب وأمقت مقاوميك. بغضا تاما أبغضتهم. صاروا لي أعداءً ما معنى هذه الأقوال المكتوبة في العهد القديم، وهل أكملها المسيح له المجد في العهد الجديد؟

ج: هنا نرى داود يبغض أعداؤه باعتبار أنهم مبغضوا الرب ويطلب من الله أن يقتل الأشرار وهذه الفكرة نشأت تلقائيا منذ إغواء الشيطان لحواء وسقوط الإنسان إذ انقسم البشر إلى معسكرين، معسكر أولاد الله المتكلين عليه والمستمتعين بنعمته مثل هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم وغيرهم، والمعسكر الآخر هو معسكر أبناء الشيطان المتكلين على ذواتهم والمقاومين لعمل الله مثل قايين الذي "قام على هابيل أخيهِ وقتلهُ." وسائر البشر أيام نوح الذين لم يصدقوا الله فهلكوا وأهل سدوم وعمورة الذين كثر صراخهم وخطيتهم قد عظمت جداً، وغير ذلك من الخطاة الأشرار الذين بقوتهم ومكرهم وفتنتهم يبذلون كل الجهد لإبعاد أولاد الله عن الحياة المقدسة في إرضاء الله وتمجيد الله في سلوكهم، ولكون "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة." ولأن الشعب في القديم لم يحصل على شركة الطبيعة الإلهية "لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطيَ بعدُ. لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعدُ." فكما نعلم أن الروح القدس أعطي للكنيسة في يوم الخمسين، أي بعد خمسين يوما من قيامة المسيح. فلذلك كانت دائما المعاشرات بين أولاد الظلمة وأبناء النور تتسبب في إبعاد الشعب القديم عن القداسة مما يوقعهم تحت الدينونة. وكم من مرة كان ابتعاد الشعب شديدا وكانت الدينونة قاسية. وإن كانت هذه الوصية "لا تضلُّوا. فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة. اصحوا للبرّ ولا تخطئُوا" مكتوبة لإنذارنا نحن في العهد الجديد فكم وكم يكون تأثير المعاشرات الردية على الشعب في العهد القديم.

فمثلا حينما أقام إسرائيل في شطيم أثناء رحلتهم لأرض كنعان كان بلعام بن بعور أحد الأنبياء الكذبة يعلم بالاق بن صفور ملك موآب "...أن يلقي معثرةً أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا." ولكون شعب الله لم يتقوى بعد حتى يتمكن من مقاومة هذه العثرة، سرعان ما سقط فيها كما هو مكتوب في سفر العدد "وأَقام إسرائيل في شِطِّيم وابتدأَ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعَونَ الشعب إلى ذبائِح آلهتهنَّ فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهنَّ. وتعلَّق إسرائيل ببعل فغور. فحمي غضب الربّ على إسرائيل. فقال الربُّ لموسى خذ جميع رؤُوس الشعب وعلّقهم للربّ مقابل الشمس فيرتدَّ حمو غضب الربّ عن إسرائيل. فقال موسى لقضاة إسرائيل اقتلوا كلُّ واحدٍ قومَهُ المتعلّقين ببعل فغور."

وهنا نرى أن ألوف من إسرائيل ماتوا "اربعة وعشرين ألفاً" لانخداعهم بمكر الأشرار، لذلك لكي يحمى الله شعبه من العثرة والخطية والهلاك كان يسمح لهم بإبغاض مبغضي الرب لأن هذا هو الطريق الوحيد ليعزل الرب شعبه عن الأمم الشريرة وليتمكن الرب من رعاية شعبه ليقودهم إلى المراعي الخضراء ومياه الراحة، ومن هنا نفهم أمر الرب المتكرر لشعبه في العهد القديم بتحريم الشعوب الشريرة الساكنة في الأرض التي أعطاها الرب لشعبه. ويفسر لنا الله سبب هذا التحريم في قوله لشعبه "لكي لا يعلّموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم فتخطئُوا إلى الرب إلهكم" بل بلغ حرص الرب على حماية شعبه من الفساد أنه أمر بإبادة الأفراد بل والمدن أيضاً التي من بني اسرائيل الذين يحاولون أن يغووا الشعب أن يتعبد لإله غريب. ومن هنا نفهم أن التحريم ليس تمييزاً عنصرياً بين الشعوب فالله خالق كل إنسان على صورته وهو الذي بارك نوح وبنيه في العهد القديم. لكن التحريم إنما هو إجراء ضروري لحماية شعب الله من العثرة والخطية والهلاك.

أما في العهد الجديد فقد تكملت العلاقة بين الشعب والله على أساس الفداء والمصالحة، وقد أعلن الرب يسوع أساس العهد الجديد بقوله "لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفَك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا."

فبدم المسيح تصالح الإنسان مع الله وخلص وتبرر فسكن روح الله في الإنسان فصار الإنسان شريك الطبيعة الإلهية وتقوى بالنعمة وأخذ من ملء المسيح ونعمة فوق نعمة، وله أن يمتلئ من الروح القدس منتصرا على كل التجارب والمكايد. ولذلك أعطانا المسيح في العهد الجديد أن نصبح ملحا للأرض ونورا للعالم فنضئ بينهم كأنوار في العالم، نقدم لهم نور المسيح الذي زرع فينا بالروح القدس. لذلك أوصانا المسيح قائلا "سمعتم أنهُ قيل تحبُّ قريبك وتبغض عَدُوَّك. وأما أنا فأقول لكم أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السموات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنهُ إن أحببتم الذين يحبونكم فأيُّ أجرٍ لكم. أَليس العَشَّارون أيضاً يفعلون ذلك. وإن سلَّمتم على اخوتكم فقط فأيَّ فضل تصنعون. أَليس العشَّارون أيضاً يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل."

فالآن إن كنا نحب قريبنا ونبغض عدونا فأي فضل لنا فالقتلة والزناة والأشرار وكافة الخطاة يحبون أقرباءهم ويبغضون أعداءهم، فقبل العهد الجديد والإنجيل الذي هو الشريعة الكاملة لم يتمكن الله من إعطاء وصيته كاملة للشعب لأن الشعب كان طفلا في إدراكه وفي إمكانياته، فحذره الرب من مكايد الأعداء وحماه منهم بعزله عنهم، عزلاً جغرافياً مادياً كاملاً بتحريمهم وإبادتهم.

لكن في العهد الجديد فقد قدّم الله لنا كل إمكانيات الخلاص والنضوج والقوة الروحية في الصليب الذي هو قوة الله للخلاص لذلك أعطى الرب للمؤمنين الوصية الكاملة وهدفها "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل." وهذا الكمال يظهر في حياتنا بأن نحب أعداءنا ونبارك لاعنينا ونحسن إلى مبغضينا لكي نكون أبناء أبينا الذي في السموات.

وجدير بالذكر أن محبة أعداءنا لا تتعارض مع تحذير الرب لنا في العهد الجديد أيضاً الذي سبق ذكره وهو "لا تضلُّوا. فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيّدة. اصحوا للبرّ ولا تخطئُوا" فنحن نحب الأعداء، لكن نحترص جداً لئلا نعطيهم الفرصة لكي يفسدوا أخلاقنا بعشرتهم لنا، وأيضاً نبذل كل الجهد في محبتنا لهم لنقدم لهم رسالة الخلاص لعلهم يخلصوا فيستمتعوا بنعمة الله الغنية. وإن لاحظنا أن أي جماعة شريرة تؤثر على شركتنا وعلاقتنا بالرب فعندنا الأمر الإلهي بالانعزال المعنوي عنهم كما هو مكتوب "لذلك اخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسُّوا نجساً فأقبلكم وأكون لكم أباً وأنتم تكونون لي بنين وبنات يقول الربُّ القادر على كل شيءٍ" فالانعزال في العهد القديم كان انعزالاً مادياً يصل إلى الإبادة والتحريم، أما الانعزال في العهد الجديد فهو انعزالٌ معنويٌ يتم بالخروج من وسط الجماعة المؤثرة على صدق أمانتنا وعلاقتنا بالرب.

وفي الختام نقول "فإذ لنا هذه المواعيد أيُّها الأحبَّاء لنطهّر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكمّلين القداسة في خوف الله" ولإلهنا كل المجد إلى الأبد آمين.

Back

رجوع الى الصفحة الرئيسية